كتاب الراية

همسة في التنمية.. الديمقراطية وأثرها على تقدم الفكر المجتمعي

الأنظمة الغربية الليبرالية تعمل على توسيع الطبقة الوسطى

من المُفارقات الأساسية في الفكر العربي المُعاصر، أن المفاهيم الكُبرى التي تتكرر في الغرب تجد صدى لها على امتداد الوطن العربي. لكنَّ السياسيين الباحثين العرب، هم أكثر من يستخدمها من غير إدراك لمضمونها، أو لنوع العلاقة بين هذه المفاهيم المُتداولة، لذلك تتكرر مقولات الحكم الديمقراطي، ومُجتمع المعرفة، والتنمية المُستدامة وغيرها، في كثير من الخطب والدراسات والتقارير العلمية العربية، دون تحديد ركائزها أو كيفية تطبيقها في مُجتمعات مُتباينة من حيث النمو وكثافة التوظيف المالي في الطاقات البشرية والمشاريع الاقتصادية، وغيرها من مواضيع تحمل ذات الاهتمام المُشترك.

هذا لأنها توظف إعلاميًا للدلالة على أن المواطن العربي نال حقوقه كاملة، من دون النظر لأبعد من ذلك بكثير، فمُجتمع المعرفة نتاج عقود طويلة مُتواصلة من التوظيف الدائم لبناء الإنسان الحر، والمُثقف المُمتلك للعلوم العصرية والتكنولوجيا المُتطورة المعنية بالتنمية المُستدامة، التي تعتبر نتاج مناخ الحرية ومُجتمع المعرفة، والتي تعتمد على الاستفادة القصوى من القوى البشرية والطاقات المادية، والتخطيط الدائم لمواجهة المُشكلات في الداخل، والأزمات الوافدة من الخارج في سبيل تطبيق النظام الديمقراطي، الذي يُطبّق القوانين، ويضمن الحريات، ويُراقب عمل المؤسسات لتنفيذ حكم القانون، ويحترم مبدأ فصل السلطات، وتداول السلطة.

النظام الديمقراطي وحده يُتيح للشعب أن ينتخبَ مُمثليه بحرية تامة، استنادًا إلى قانون انتخاب عصري وعادل، يفرض رقابةً صارمةً تمنع سلطة المال والزعامة الطائفية أو القبيلة، من استغلال النفوذ والرشوة للتأثير على الانتخابات، وهذا يعبّر عما أوصت به مؤتمرات الأمم المُتحدة في مجال التنمية المُستدامة، عن أهمية وضع استراتيجية عالمية جديدة للتنمية المُستدامة، مُشاركة بصورة فاعلة مع مؤسسات المُجتمع المدني بهدف احترام الخيارات المُستقلة لشعوبها في مجال التنمية المُلائمة لها، وبناء شراكة كونية عادلة، وإيلاء اهتمام خاص بتنشيط الاقتصاد الأخضر في سبيل حماية البيئة، ومُعالجة البطالة، والسكن، والتعليم، وغيرها من الآفات التي تمنع أفراد المُجتمع المدني من العيش برفاهية اجتماعية تعتمد على آليات اقتصادية تُحقق لها التنمية المُستدامة.

ومن هذا المنطلق نجد أن الأنظمة الغربية الليبرالية تعمل كثيرًا على توسيع الطبقة الوسطى، بشرط ألا يتعرضَ أى منهما لسيطرة الاحتكارات الكُبرى المُهيمنة على السلطة والاقتصاد، على غرار أنظمة الولايات المُتحدة الأمريكية، وفرنسا، وبريطانيا، وألمانيا وغيرها، وهذا لضمان سهولة الحصول على المعلومات، وتوفير الشفافية في الصفقات الاقتصادية، وإفساح المجال لتسليط الضوء على جوانب القصور الناجمة عن عدم الكفاءة في الأجهزة الحكومية والمؤسسات ذات الطابع الاقتصادي، والكشف عن المُمارسات المُنحرفة، في سبيل تحسين أداء الأجهزة والمؤسسات الحكومية وتمكّن من مُحاربة الفساد.

في الختام، الرقابة الشعبية هي وحدها التي تستطيع القيام بمهمة الكشف عن جوانب القصور ومواطن الفساد، فأجهزة الرقابة الحكومية في كثير من البلدان النامية تفتقر إلى الحيادية والنزاهة، وتخضع في كثير من الحالات لضغوط المسؤولين المُنتفعين من الفساد، ما يجعلها غير قادرة على إظهار الحقائق في كثير من الأحيان، خلاصة القول هنا: إن تحقيق التنمية وضمان استدامتها هو أمر مُتعذر بمعزل عن الديمقراطية، إذ إن العلاقة بينهما علاقة مُتبادلة المصالح: فكما أن الديمقراطية توفّر الإطار المُحفز للتنمية، كذلك فإن التنمية تخلق القاعدة المادية والمناخ المُلائم لتطور الديمقراطية، هذا لأن التنمية تُتيح للمواطن الارتقاء بمعارفه ومهاراته وتطوير قدراته، واختيار العمل الذي يجد فيه ذاته ويُحقق له دخلًا يكفل له الحياة الكريمة، وكلما خطت التنمية ذات البُعد الإنساني شوطًا في مسارها فإنها بذلك توطد الاستقرار بين أفراد المُجتمع وترسّخ مفهوم الديمقراطية بين أبنائها جيلًا بعد جيل.

خبير التنمية البشرية

Instegram: @rqebaisi

Email: [email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X