كتاب الراية

سطور شاردة.. بلا حياء!

الغَيْرة عند العرب رمز للشهامة والرجولة وكانت خَصلة حتى قبل الإسلام

وأنت خارج من دوامك الحكومي، وتركب المصعد، تجد مجموعةً من النسوة فيه يتغامزن ويتهامسن بينهن في أمورهن الشخصية والاجتماعية، وكأنهن في جلسة خاصة بينهن، فلا يحسبن حسابًا للرجل الذي بينهن. فتسمع الواحدة منهن تتحدث بصوت ناعم وتقهقه وتخضع في القول بلا ذرة حشمة أو خجل!

لقد اضمحل الوقار والاحترام، اللذان كانا عادة وطبيعة في مُجتمعنا القطري، والعربي عمومًا، شيئًا فشيئًا، وباتا عملة نادرة لا تكاد تسمع عنهما أينما وليت وجهك، في الشوارع، وفي الأسواق، وفي المصاعد وفي مكان عمومي. فما السبب في ذلك يا ترى؟! هل أصبحت الغَيْرة مُنعدمة في مُجتمعاتنا، الغَيْرة التي كانت عند العرب رمزًا للشهامة والرجولة، الغيرة التي كانت خَصلة حتى قبل الإسلام. الغيرة التي تغنى بها الشعراء في الجاهلية وافتخروا بها، وفي هذا يقول الأفوه الأودي:

نقاتل أقوامًا فنسبي نساءهم

ولم ير ذو عز لنسوتنا حجلًا

وهي العفة التي جاء الإسلام وزكاها ودعا إليها، وجعلها زينة للمرأة المسلمة، وجعلها من شيم المسلم حفاظًا على أهله وزوجه، يقول المولى عز وجل: «وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ». كما يقول في آية أخرى: «فلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا».

إن ما نراه ونعيشه اليوم هو ضريبة الاختلاط والتبرج، وذلك بسبب الإعلام الذي جاء ليهدم الأخلاق ويعكس القيم والمبادئ، فالحياء أصبح تخلفًا ورجعية، والاختلاط والتبرج صار تحضرًا وتمدّنًا. والله إن الرجل يخجل أن يتحدث مثلما تتحدث النساء أمام العامة. فقد حكى لي أحد الأصدقاء أنه وبينما هو مع بعض الرجال في المصعد وبينهم امرأة واحدة، فكانت هذه المرأة حبلى تضحك وتتحدث مع هؤلاء «الرجال» وبعضهم يسألها عن الحمل وعن اسم الابن المُرتقب بلا حياء ولا مروءة!

سوف يقول البعض إن هذه زمالة عمل، وإن الأمر عادي ولا عيب فيه، فشروط العمل الحديثة تفرض التواصل بين زملاء العمل. وإن هذه الأحاديث والعلاقات إنما أخوة وتعارف يفرضه العمل المُشترك.

لا والله ليست زمالة عمل، وليس أمرًا عاديًا في شيء، فكما في الحديث الشريف: «إن لم تستحْيِ فاصنع ما شئت»، فالعمل لا يعني الاختلاط والانحلال الخلقي والتفسخ الأخلاقي، نعم قد يجمعنا عمل واحد، لكن هذا لا يعني أن نتعدى حدود الله بالاختلاط والميوعة والإسفاف في الحديث ومُناقشة الأمور الخاصة. كما أنه لا عيب أن تعمل المرأة أو تستعمل الوسائل العامة، ولكن بشرط أن تغض بصرها وتقصد في مشيها وكلامها، وأن تتقي الله في زوجها وأهلها.

ولعلي أختم كلامي بآية عظيمة عجيبة بليغة، وهي قوله تعالى وهو يصف حال ابنة شعيب عليه السلام، وهي آتية لتخبر موسى عليه السلام رسالة أبيها: «فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا». إن هذه الآية وحدها كافية لتكون دستورًا للحياء والعفة، سواء في مشيتها التي وصفها الله تعالى بقوله «على استحياء» وليس في استحياء أو باستحياء، وإنما على استحياء أنها افترشت الحياء وسارت عليه، كأن الحياء صار لها طريقًا وسبيلًا. ثم انظر لقولها لموسى عليه السلام بدون مُقدمات وبلا خضوع «قالت: إن أبي..» فقط إخبار برسالة الأب وطلبه في جملة مُختصرة لا تحمل إيحاءات. إن هذا هو المنهج الذي أراده الله لنا في هذه الحياة، لكن أكثر الناس لا يفقهون.

 

[email protected]

twitter:@Q_south

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X