المنتدى

ضرورة الأمن في فرنسا بعيدًا عن العنصرية

مؤسَّسة الشرطة الفرنسية مرآة للمجتمع الفرنسي

بقلم/ رندة تقي الدين:

 شهدتْ فرنسا أحداثَ تكسيرٍ وتخريبٍ في المدن الفرنسيَّة، من مارسيليا إلى ليون إلى باريس، بعد مقتل نائل (فتى عمره ١٧ سنة من أصل جزائري)، كان يقود مرسيدس دون رخصة رقمها من بولندا. نائل كان مسرعًا بالسيارة، ومعه شخصان. تم توقيفه في نانتير -إحدى ضواحي باريس- حيث أوقفه شرطيان أحدهما أطلق النار على صدره وقتله. أدان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قتْله، ولكن فور مقتله اندلعت المظاهرات في مدن فرنسا مدفوعة من شبكات التواصل الاجتماعي، وتحوَّلت إلى أعمال تخريب وتكسير وسرقات للمتاجر الكبرى، من شبان وشابات في سن المراهقة بين ١٤ و ١٧ سنة. إنَّ مقتل «نائل» تحوّل إلى حجة دفعت اندلاع هذا العنف الذي لم يعد له علاقة بمقتل نائل. مما لا شك فيه أن الفَلَتان الأمني الذي حدث والعنف الذي ظهر من الشباب الذين كسروا وسرقوا وتحدَّوْا الشرطة مرتبطٌ بجيل يُمضي وقتًا طويلًا على شبكات التواصل الاجتماعي وألعاب الفيديو العنيفة. لا شك أن صعود تأثير حزب مارين لوبن رئيسة التجمع الوطني اليميني المتطرف، زاد انتشار العنصرية إزاء العرب والإسلام في أوساط اجتماعية مختلفة. وضواحي المدن الكبرى في فرنسا -من العاصمة باريس إلى مرسيليا ونيس وليون وبوردو- لديها مهجّرون من أصل مغربي أو جزائري أو تونسي يعيشون في أحياء غير مندمجة كثيرًا بباقي الشعب الفرنسيّ. عمومًا هذه الهجرة من أصل عربي ومسلم تشهد اضطهادًا في المجتمع الفرنسي، خصوصًا من يمين متطرف وغيره من أحزاب يمينية توصف بالاعتدال، ولكنها تتنافس مع المتطرفين حول نبذها للمهاجرين من أصل عربي وإسلامي. لكن اندلاع الحرائق والعنف والتظاهرات في مدن فرنسا لم يعد مرتبطًا بمقتل نائل الذي تحوّل إلى حجة للعنف والفوضى. قالت والدة نائل -اسمها منيا- بعد مقتل ابنها: إنها لا تلوم كل الشرطة، ولكنها قالت: إنَّ «المسؤول هو الشرطي الذي قتل ابني»، مضيفة: إنه عندما لاحظ من بشرته أنه عربي الأصل، أدت به العنصرية إلى قتله، وقالت: إنني أفهم أن يضربه أو يخرجه بقوة من السيارة ولا يقتله. وشريط الفيديو لقتل الشاب انتشر على شبكات التواصل.

مثل هذه الأجواء مرشّحة لتزيد في فرنسا بسبب عنصرية البعض في اليمين الفرنسي، وأيضًا بسبب أوضاع معيشية متراجعة في ضواحي المدن، حيث تعيش جاليات من أصل الهجرة في أحياء غير مندمجة بالفرنسيين إضافة إلى تواجد شبان فرنسيين دون عمل يلجؤون إلى السرقات والعنف، مدركين أن القانون الفرنسي يمنع سجن الصغار. إن حالة الضواحي الاجتماعية وتراجع الأوضاع المعيشية لسكانها قنبلة موقوتة منذ زمن طويل في فرنسا. تفاقمت العنصرية فيها مع انتقاد البعض للإسلام والحجاب وغيره من معالم دينية، ما يزيد من شعور المهاجرين العرب في فرنسا بأنَّهم مضطهدون وهذه دُوَّامة دون نهايةٍ. فالعرب الأصليون ينددون بالعنصرية، والمسؤولون الفرنسيون يريدون فرض الأمن وردع الفوضى ومنع الكوارث.

لا شك أن مؤسسة الشرطة الفرنسية مرآة عن المجتمع الفرنسي، إذ إنَّها تتضمن عناصر معتدلة وحريصة على أمن البلد دون أي عنصرية، ولكن هناك أيضًا نماذج عنصرية تتشدد وتلجأ إلى العنف وأيضًا إلى القتل مثلما حدث مع نائل. إن مشكلة العنصرية في فرنسا من شأنها أن تزيد؛ لأن جزءًا من الشعب الفرنسي اليميني المتطرف يستخدمها سياسيًا لمكافحة اليسار بالتزامن مع تراجع ظروف معيشية للجالية المهاجرة التي لولا وجودها لما كان بإمكان الفرنسيين تشغيل مصانعهم؛ لأن اليد العاملة الأجنبية، خصوصًا العربية الجزائرية والمغربية هي ركيزة اليد العاملة في الصناعة الفرنسية. وفشلت جميع العهود الرئاسية في فرنسا لمعالجة أوضاع الضواحي المعيشية بالتزامن مع المزيد من العنصرية في الأوساط السياسية الفرنسية ما جعل البلد معرضًا باستمرار إلى اندلاع مثل هذه الأعمال غير المقبولة التي تهدد السلم الأهلي. إن نشر ٤٠٠٠٠ عنصر من الشرطة الفرنسية ومعاقبة الأهل الذين يتركون أولادهم المراهقين في الطرق قد يساعد ذلك مؤقتًا في إعادة الأمن، ولكن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في ضواحي مدن فرنسا تحتاج إلى معالجة أعمق من ذلك، وطويلة الأمد إذ إنها حالة سيئة مزمنة تؤدي إلى نشأة جيل من المخربين الذين يعتنقون العنف كقاعدة في حياتهم إن كانوا من أصل عربي أو فرنسيين خالصين.

صحفية لبنانية

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X