لم تكنْ ليلةُ 15 يوليو/‏‏ تموز 2016 ليلةً عاديةً في تركيا، بل خطًّا فاصلًا بين الظّلام والنور، ومع بزوغ فجرِها الدامي انتصرتِ الإرادةُ الشعبيَّة التركية على مُحاولة الانقلاب الفاشل التي دبَّرتها منظمة «فيتو» (FETÖ) الإرهابية، برئاسة فتح الله غولن المُقيم في بنسلفانيا بالولايات المُتحدة منذ أكثرَ من 20 سنة، ساعيةً إلى اختطاف الدولة التركية، ونفذتها قلةٌ مندسةٌ بين صفوف الجيش التركي، ما تسبب في استشهاد 251 مواطنًا وإصابة أكثر من ألفَين.

تمكَّنت تركيا من فرض هيبة الدولة وانتصر الشعب على قوى شريرة سعت جاهدة إلى هدم الديمقراطية التركية، والعودة بعقارب الساعة إلى الوراء، واستعادة حكم عسكريّ عانت منه تركيا عقودًا طويلةً.

مع دخول ساعات المساءِ في تلك الليلة، فُوجئ مواطنونا بدبَّابات ثقيلة تتحرك على جسر البسفور، وفي محيط القصر الرئاسي، وتمَّ اختطافُ بثّ التلفزيون الرسمي للبلاد، كان التحركُ خاطفًا من عناصر الانقلاب، لكنّ الردَّ جاء مزلزلًا، فقد تمَّ تأمينُ رئيس الجمهورية، حيث تعرَّض الفندق لقصف عنيف بالطائرات، وكان لمكالمته الشهيرة على قناة تركية محلية أكبر الأثر في حصار الانقلابيين، وسرعان ما مادتْ بهم الأرضُ بما عليها، وضاقت بهم سماءُ البلاد بما رحبت، فاستعادت الدولة زمام المبادرة، وانضم الشعب الهادر إلى القيادة الشرعية وتوحد الجميع على رفض الانقلاب ومحاسبة المُقامرين على جريمتهم النكراء.

لم يكن ما حدث نجاحًا لحظيًا، فما تبع تلك الليلة المشهودة يؤكد ذلك، كسبت أنقرة احترام وتقدير المجتمع الدولي في مختلف الساحات، وتمتعت باستقلال في قرارها السياسي وتحرَّكت ماكينة دبلوماسيتها في ملفات زلقة كثيرة بأقدام ثابتة، قادت لاتفاق الحبوب بين روسيا وأوكرانيا رغم الحرب الضروس بينهما، وساهمت في استقرار ليبيا الشقيقة، واستعادة أذربيجان أراضيَها، واستثمار الانتصار في التفاوض مع أرمينيا لإقرار سلام دائم.

  • لم تضعف تركيا بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة إنما تعافت سريعًا
  • خفض التضخم على رأس أولويات الحكومة الجديدة

لقد تعلمنا من الانقلاب الفاشل كيف نعتمد على أنفسنا، وأنه لا أمان لمن أطلق الرصاص على شعبه، ونؤكد للجميع أن يد العدالة ستطال كل من أضرَّ بمصالح الوطن، وتأسيسًا على ذلك تواصل تركيا ملاحقة الإرهابيين والمخرِّبين في أي مكان في العالم لضمان سلامة مواطنيها بالدرجة الأولى والعالم من جرائم الإرهاب على الصُّعد كافةً.

لم تضعفْ تركيا بعد المُحاولة الانقلابية الفاشلة، إنما تعافت سريعًا وتبدَّى ذلك في شتَّى المجالات، من بينها الظهور القوي للاقتصاد التركي مع رفع قيود جائحة فيروس كورونا المستجد (المسبّب لمرض كوفيد-19)، وتعافت من آثار الزلزال المدمر الذي ضرب في فبراير/‏‏ شباط أكثرَ من 10 محافظات تركية جنوب شرق البلاد، وراح ضحيته أكثر من 50 ألفًا من مواطنينا الذين نسأل الله لهم الرحمة، وها هي عملية إعادة الإعمار تجري على قدم وساق، التزامًا بتعهد رئيس الجمهورية بإعادة مواطنينا النازحين إلى منازلهم الجديدة وإصلاح ما تهدم من مرافق خلال عام واحد فقط على ما عرف في تركيا بكارثة العصر.

كما استكملت تركيا المسار الديمقراطي بانتخابات رئاسية وبرلمانية جدد فيها الشعب الثقة في قيادته السياسية، ومنح حكومته الجديدة الفرصة لتنفيذ برنامجها الإصلاحي بقيادة فخامة الرئيس رجب طيب أردوغان، والسير بالبلاد نحو قرن تركي جديد، تعزّز فيه الجمهورية التركية موقعها إقليميًا ودوليًا.

تدرك الحكومةُ الجديدةُ الصعوباتِ الاقتصاديةَ الحاليةَ، وتضعُ على رأس أولوياتها خفض التضخم ودعم الإنتاج والصادرات، وتعزيز العمل الدبلوماسي لمُواجهة المتغيرات الإقليمية والدولية.

كما ستواصل تعزيز الصناعات الدفاعية لزيادة قدرة الجيش وقوات الأمن التركية على مواجهة التحديات، وتم ضمُّ عددٍ من الأسلحة والمعدات المحلية إلى منظومة العمل العسكري والأمني، لتأمين احتياجات البلاد، مع التوسع التدريجي في مجال التصدير.

تفخرُ تركيا بأنَّها أحد المصنعين القلائل في العالم للطائرات غير المأهولة، وقد أبرمنا عقودًا مع عشرات الدول لشراء مسيرات «بيرقدار» (BAYRAKTAR)، لا سيما أنها أثبتت كفاءتها في ميدان القتال، وحازت ثقة عددٍ من الدول الصديقة، مثل: قطر، وأذربيجان، وأوكرانيا، وبولندا.

وبالإضافة إلى «بيرقدار» (BAYRAKTAR)، دخلت إلى الخدمة في البحرية التركية حاملة الطائرات المسيرة «تي سي جي أناضولو» ( TCG Anadolu ) لتصبح أكبر قطعة بحرية تقود أسطولنا، وقادرة على تنفيذ كل المهام الحربية والدعم والاستطلاع في أعالي البحار، ما يعكس أن لدينا تصميمًا على بلوغ درجة الاكتفاء الذاتي في مجال الصناعات العسكرية؛ تحقيقًا لاكتفائنا الذاتي، ودعم أشقائنا والدول الصديقة على رأسها قطر من أجل حماية أمنها وبناء منظوماتها الدفاعية.

 

سفير الجمهورية التركية لدى دولة قطر