مواعيد حمد الطبية .. «مرض مزمن» في الصحة
قطاع الصحة يحظى بـ 11% من موازنة 2023 بقيمة 21.1 مليار ريال
لدينا أفضل المستشفيات والمراكز الصحية .. وأزمة المواعيد مستمرة
مشكلة المواعيد تدفع المواطنين للعلاج بالقطاع الخاص والسفر للخارج
نتطلع لقيام المسؤولين بالوزارة بجولات ميدانية لرصد معاناة المرضى مع المواعيد

ما زالتْ أزمةُ تأخّر مواعيد العيادات الخارجيَّة بمؤسَّسة حمد الطبيَّة مُستمرَّةً، رغم ما يمتلكُه قطاعُ الصحَّة من إمكاناتٍ ماديةٍ تتمثلُ في افتتاحِ وتوسعةِ وتطويرِ عددٍ كبيرٍ من المُستشفياتِ، فضلًا عن توافرِ كوادرَ طبيَّةٍ مميزةٍ، بشهادةِ العديد من الهيئات والمؤسَّسات الدوليَّة العريقة.. فأين الخللُ؟
أوجِّه حديثي هنا إلى سعادة الدكتورة حنان محمد الكواري وزيرة الصحَّة العامة المسؤولة الأولى عن تنفيذِ استراتيجيّة الدولة في حماية ودعم صحة ورفاهية سكّان قطرَ، ما تقييمكم لكل الحلول التي طرحتْها الوزارةُ وطبقتْها لحلّ تلك المشكلة المُزمنة، من خِدمات تنظيم المواعيد بالمراكز الصحية والمستشفيات العامة، والتي تحوَّلت من وسيلة لتنظيم المواعيد إلى وسيلة لعرقلة تسريع وصول المريضِ للطبيبِ؟.. وهو ما نرصدُه يوميًّا من اتصالاتِ المرضى الذين أبدوا امتعاضَهم من البيروقراطية والروتين الدائمَين في تحديد المواعيد، والكثير منهم أكّدوا خلال رصدنا المشكلةَ أنهم يدورون في حَلقة مفرغة، وليس أمام الكثير منهم سوى البحثِ عن واسطة أو عَلاقة شخصيَّة مع مسؤولين لتقريب الموعدِ، في ظلّ غياب أيَّة منظومة دقيقة تعالجُ أزمةَ مواعيد مؤسَّسة حمد الطبية.
منذ سنواتٍ طويلةٍ والصحافةُ المحلية تنقلُ نبضَ الشارع وتطلعات الجمهور بالبحث عن حلول جذريّة لأزمة تأخر مواعيد العيادات الخارجيّة، وما يخلفه ذلك من معاناةٍ مُستمرة للمرضى، وبالتالي تأخر مواعيد العمليات الجراحية، دون أن تقدم وزارةُ الصحة حلولًا جذرية شاملة سوى مسكنات وقتية سَرعان ما تعود هذه المسكنات للمربع الأول بحلول غير واقعية وغير ناجحة، حتى تحوَّلت مشكلة المواعيد لمرض مزمن في جسد وزارة الصحة، باتَ علينا التعايشُ معه حتى يجد المسؤولون بحمد الطبية حلًّا لتلك المعضلة!
كان يمكنُ القَبول بهذه المشكلة المزمنة في دول أخرى غير دولة قطر التي تضع صحةَ المواطن والمقيم في صدارة أولوياتها، وتركز في موازنتها العامة على قطاعَي الصحة والتعليم، ففي موازنة دولة قطر للعام الجاري، تم تخصيص 21.1 مليار ريال لقطاع الصحة، ويشكل هذا المخصص حوالي 11% من إجمالي المصروفات، فيما حظي قطاع التعليم بنحو 9% من إجمالي المصروفات بمبلغ 18.1 مليار ريال.
كان يمكن التعايش مع أزمة تأخر المواعيد بالعيادات الخارجية وتمديدها عدة أشهر كما يحدث الآن، أو القَبول بنقص الأسِرَّة بالمستشفيات ووضع مرضى على قائمة انتظار إجراء العمليات الجراحية، لو لم تكن دولة قطر تمتلك أفضل المستشفيات وأكثرها تجهيزًا بأحدث التقنيات.
فوَفقًا للإحصائيات الرسمية، لدينا 16 مستشفى حكوميًا، كما تم العام الماضي افتتاح وإنشاء مرافق جديدة بمؤسَّسة حمد الطبية من أبرزها مركز «المها» للرعاية التخصصية للأطفال، ووَحدة العناية المركّزة الدائمة، ووَحدة العلاج الطبيعي والعظام، وعيادة متخصصة للإقلاع عن التدخين، وقسم العناية المتقدمة بالجروح، إلى جانب توسيع المِنطقة المخصصة لتقييم الحالة الصحية للإناث في مركز الطوارئ والحوادث بمؤسسة حمد الطبية بنسبة 60%، وتوسيع وَحدة علاج النطق للأطفال بإضافة 12 غرفة علاج بمركز قطر لإعادة التأهيل.. كما ارتفع عدد القوى العاملة الصحية في القطاعين العام والخاص إلى 46 ألفًا و371 عاملًا صحيًا العام الحالي، مقارنة بـ 20 ألفًا و682 عاملًا صحيًا في عام 2011.
إذا كان الأمر كذلك .. فلماذا يتم تأخير المواعيد وإرهاق المرضى، ونحن نمتلك كل تلك الإمكانات، ما دفع بعضهم للبحث عن العلاج في الخارج، أو العلاج في مستشفيات القطاع الخاص التي لم يصبها فيروسُ تأخير المواعيد؟
كما أن لدينا 33 مركزًا صحيًّا في القطاع العام (تشمل المراكز التابعة لمؤسسة الرعاية الصحية الأولية، والمراكز التي يديرها الهلال الأحمر القطري وَفق اتفاقية مع وزارة الصحة العامة)، موزعة على مناطق الدولة المختلفة، فلماذا لا يتم تطوير تلك المراكز، وتوسعة اختصاصاتها لتصبح مستشفيات مصغرة لتخفيف الضغط على المستشفيات الحكومية، بدلًا من البحث عن مسكنات بتوفير خدمات مسائية في بعض تلك المراكز؟
إن تقديم الخدمات الصحية والعلاجية بأعلى جودة، وحصول القطاع الصحي على شهادات دولية أمر يسعدنا، ولكنه لا يبرر التغاضي عن تلك السلبيات التي تؤرق قطاعًا كبيرًا من المرضى، وتدفعهم لطلب العلاج على نفقة الدولة بالخارج، حتى لو كان العلاج متاحًا في داخل قطر.. لكن بعض الأمراض خاصة المزمنة والخطيرة لا يتحمل أصحابها مزيدًا من الانتظار والتأجيل والخضوع لتجارب ومسكنات البرامج والأنظمة التي تطلقها الوزارة لتنظيم مواعيد المرضى، والتي تثير «الزعل والتعجب» بانتظار مريض عدة أشهر للكشف قبل أن يصله اتصال بتأجيل الموعد لعدة أشهر قادمة!
إنَّ الحكومة لم تقصر في تقديم كل الدعم للقطاع الصحي كي يتقدم ويتطور ويواكب ما تشهده دولة قطر من نهضة شاملة في كافة القطاعات.. ونظرة عامة على الإمكانات التي تتوافر في مستشفياتنا بالمقارنة بالعديد من دول المنطقة والعالم، سندرك أننا نحتل مكانة متقدمة من حيث الإمكانات المادية والبشرية، ولكن المشكلة تكمن في الحلول الإدارية غير الجذرية التي قدمتها وزارة الصحة العامة خلال السنوات الماضية، والتي لم تواكب تطوير المباني وتجهيز المستشفيات.
نريد أن يجد المواطن موعدًا بالعيادات الخارجية في أقرب وقت، وأن يتاح له سرير متى ما تم تحديد موعد الجراحة، حتى نقول: إن هناك تغييرًا جذريًا حدث في منظومة مواعيد القطاع الصحي .. نريد أن نرى مراكز صحية متطورة يتوجه لها المواطن في أي وقت فيجد الرعاية الصحية الكاملة، ليس فقط للحالات العادية، ولكن أيضًا للحالات العاجلة، فحياة المريض وسلامته قد لا تحتملان الانتظار ساعات .. فما بالك بأسابيع وشهور، كما يحدث في عيادات الأسنان مثلًا، والتي تمثل مواعيدها مرضًا مزمنًا عضالًا!
إنَّ حسن استغلال وتوجيه وتنظيم الخدمات الحيوية، ورضا المستفيدين من تلك الخدمات هو المعيار الأول والمؤشر الأقوى على نجاح منظومة القطاعات الحيوية، وفي مقدمتها القطاع الصحي، ولكي يتحقق ذلك لا بد أن يستمع المسؤولون -في مؤسسة حمد الطبية ووزارة الصحة- للمرضى، والبحث عن حلول للعقبات التي تواجههم، ونتمنَّى أن يقوم المسؤولون المكلفون بمعالجة أزمة المواعيد بزيارات تفقدية يومية، ودون ترتيب مسبق للاستماع من قرب لمعاناة المواطنين في رحلة بحثهم عن مواعيد سريعة.. وطرح حلول جذرية لما يعاني منه هذا القطاع العام والحيوي من خلل إداري مزمن يدفع ثمنه آلاف المرضى الذين أصبحوا بين سندان معاناة المرض ومطرقة المواعيد.