لا يزال الاستقطاب السعودي الكبير والمتسارع لنجوم الكرة العالمية يثير الانتباه والتساؤلات وعلامات الاستفهام، في وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي -في السعودية وخارجها- حول التبعات والتأثيرات على البلد ودول الخليج والوطن العربي، وعلى الكرة السعودية التي لم يعد الارتقاء بها مجرد غاية لأنها أصلًا من بين الأفضل في آسيا، بل صارت وسيلة للارتقاء بالمملكة إلى عالم آخر، وتستقطب من خلالها العقول والنفوس ورؤوس الأموال، وتساهم في زيادة وتنويع مجالات الاستثمار.
رغم الكلفة العالية للصفقات التي بلغت لحد الآن ما يقارب خمسة مليارات دولار، فإن انتداب النجوم يستمر بالموازاة مع استقطاب الأنظار أولًا، ثم الأموال، والمستثمرين ورجال المال الذين يجدون في السعودية مناخًا مناسبًا للاستثمارات بعيدًا عن النفط، ما دفع منظمة البريكس الاقتصادية إلى توجيه دعوة للسعودية للانضمام لعضويتها كدولة نامية قادرة على التأقلم مع مناخ المال والأعمال العالمي، والتكنولوجيات الحديثة التي تحكُم الاقتصاد والتجارة في كل المجالات، بما في ذلك المجال الرياضي، الذي لم يعُد مجرد وسيلة للتسلية والترفيه، بل أصبح عاملًا مهمًا في تحقيق الربح وتحقيق التوازن النفسي والاجتماعي في مجتمع عاشق للكرة.
بعد نجاح قطر سنة 2010 في الفوز بتنظيم مونديال 2022 كان الكثير من القطريين يتخوّفون من قدرتهم على احتضان العالم وتداعيات ذلك على بلدهم ومجتمعهم، وعاداتهم وتقاليدهم، ليتبيّن فيما بعد أن المَسعى سمحَ لهم ببناء بلدهم من خلال تشييد بنية تحتية متكاملة بفعل الاستثمار في الأحداث الرياضية والمنشآت، وصناعة الصورة التي جعلت منها قطبًا رياضيًا وسياسيًا، في انتظار تحولها إلى قبلة سياحية وثقافية، وحتى اقتصادية وتجارية تستقطب رؤوس الأموال والمشاريع الكبرى تحسبًا لدخول مجالات أخرى تساهم في زيادة حجم النمو، بعد النجاح الكبير الذي شهده تنظيم مونديال 2022، وحفز السعوديين على خوض تجربة مُختلفة تؤدي إلى نفس النتائج لا مَحالة.
قطر ركزت في مسارها على النشاط الرياضي ومُنشآته، والسعودية فضلت استقطاب النجوم مع التخطيط مستقبلًا لبناء مرافق رياضية عالمية في تجربة فاقت في حجمها ونوعيتها ما حدث في الولايات المتحدة والصين واليابان وروسيا، التي فشلت فيها سياسة الاستقطاب، حيث بلغ عدد نجوم الصفين الأول والثاني الذين انتدبهم صندوق الاستثمار أكثر من ثلاثين نجمًا موزعين على خمسة أندية كبرى، في انتظار تدعيم أندية أخرى ضمن خطة أوّلية دورية تدوم ثلاث سنوات تتجدد كل مرة مع نجوم آخرين يساهم تواجدهم في تحقيق التنمية المستدامة للنشاط الكروي وكل ما يدور في فلكه.
بهذا «الريتم» لن تكون المملكة السعودية بحاجة إلى تنظيم نهائيات كأس العالم، لذلك تراجعت عن فكرة المنافسة على تنظيم مونديال 2030، لكنها لن تتراجع عن تجسيد رؤية 2030 التي تمر -لامحالة- عبر استقطاب النجوم وتنظيم أحداث كُروية موسمية، على غرار نهائيات دوري أبطال الأندية العربية، نهائي كأس السوبر الإيطالي والإسباني، نهائي كأس السوبر الإفريقي، نهائيات كأس العالم للأندية، إضافة إلى تنظيم أحداث رياضية وثقافية أخرى ومعارض ومؤتمرات تجعل من المملكة أحد أكبر البيئات الجاذبة للاستثمار الرياضي، بعد أن تأكدت من دور الرياضة المحوري في تطوير المجتمعات.
إعلامي جزائري