كتاب الراية

نافذة على الإبداع..أوبرا كارمن ومقاطع مختارة لأوركسترا قطر الفلهارمونية

إن الخروج عن القاعدة أحيانًا قد يُشكِّلُ المنفذ الأول للتطوير في الإبداع، وربما أيضًا التحوّل من جمود القواعد لبراح التنوّع هو أهم ما يُميّز الفنان الطليعي أو الباحث عن التحديث غير المُصطنع، وهذا يقودنا مُباشرةً إلى الموسيقي الكبير جورج بيزيه صاحب الأوبرا الشهيرة كارمن التي تعتبر بحَسَب النقّاد أكثر الأوبرات أداءً في تاريخ الأوبرا منذ كتابتها، تليها أوبرا عايدة. وأوبرا كارمن، التي تُقدم أجزاء منها أوركسترا قطر الفيلهارمونية غدًا، مُختارات بقيادة المايسترو إلياس جراندي، هي إحدى العلامات الفارقة بل والمُلتبسة في تاريخ الأوبرا، فرغم أنها ليست من الأوبرا بوفا الإيطالية أو الأوبرا كوميك الفرنسية إلا أنها تُصنّف على أنها أوبرا كوميدية، وهذا في الحقيقة يدعو للعجب، لأن الأوبرا نهاياتها مأساوية وليست سعيدة، كما أنها تُصوّر التخبط والسقوط الذي تعيشه الطبقة الفقيرة في إسبانيا آنذاك، والأكثر من ذلك أنها عرضت للمرة الأولى على خشبة الأوبرا كوميك بباريس، وهو المسرح الذي أسسه موليير، وآل على نفسه أن يكونَ مسرحًا يُقدّم الكوميديا الغنائية – كما يبدو من اسمه – لكن للخروج من هذه المُعضلة علينا أن نُصنّفَ كارمن على أنها أوبرا واقعية، وهذه هي الحركة التي نشأت في روما في هذا الوقت، أي تحوّل الأوبرات إلى الشكل الواقعي بعيدًا عن كونها كوميدية صرفة أو تراجيدية صرفة، لكنها تصوّر الواقع التراجو كوميدي.
وعلى الرغم من أن كارمن لبيزيه لم تحظَ بنجاح في أول عروضها فوق خشبة الأوبرا كوميك، والسبب في ذلك حنق الجمهور، لأنه صدم بالنهاية التراجيدية التي لا تتناسب وروَّاد مسرح الأوبرا كوميك، لكن كارمن قد فتحت آفاقًا واسعةً للكتّاب والمُلحّنين الفَرنسيين، وكانت تحولًا نحو الواقعية التي انتهجتها الأوبرا الإيطالية قبلها والتي تأثر بها بيزيه الذي درس في روما وحصل على جائزة روما في التأليف الموسيقي، ومع ذلك أطلق النقاد على كارمن نهاية بيزيه، ليست لأنه توقف عن التأليف بعدها، لكنه مات في ليلة عرضها السابعة والثلاثين، ولم يأخذ هذا الموسيقي حقَه في التكريم على الرغم من أعماله الناضجة.
الأوبرا مبنيةٌ على رواية بنفس الاسم كتبها الروائي الفَرنسي الشهير بروسبير ميرميه وهو أحد روَّاد الرومانسية، التي استقى أحداثها من مُشاهداته أثناء زيارته لإسبانيا، كتبَ النص الغنائي هنري ميلهاك ولودفيك هاليفي الذي كان صهرًا لبيزيه.

[email protected]

 

 

العلامات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X