كتاب الراية

إنْ تُنصت لنفسك تعرف ما لديها من قوة

كل ما نخوضه في حياتنا هو بمثابة رحلة، قد تكون رحلة مُحمّلة فقط بالأفكار تأخذنا معها إلى مُجرد تصورات ذهنية ذات حس عاطفي وقد تخلو منه وتقف عند هذا الحد، وقد تكون رحلة نعيشها بكل تفاصيلها من فكرة تطرأ، فتستدعي بوجودها حضور الحماس والحافز نحو ترجمتها بقرار يُتخذ وخطوات تُنفذ، فإذا بنتائج الفكرة تتحقق في عالمنا الواقعي، إما بشكلها التام وإما فقط بالقدر الذي أتاحته المُعطيات والظروف.

وفي رِحلاتنا كافة، يبقى العنصر الأساس – الذي منه نتزود بما يلزمنا لنخطو ونتقدم ونحقق ما نسعى إليه – هو إمكانيات الذات. فأين نحن منها في كل رحلة لنا مع الحياة ؟ وكم نحن واعون فعلًا لأهمية الإنصات لأنفسنا في رحلة نتعرف بها على ما لديها من قوة، وما تُعانيه من ضعف، وما يعتريها من رغبات وما لا تستسيغه من خِيارات، بدلًا من الإنصات والانقياد نحو الرغبة المُغرية بأن نُحققَ ما يظهرنا شكلًا ومضمونًا بأننا ذوو قَبول كبير وتأثير هام في الحضور المُجتمعي، مهما أتت تكلفة ذلك على حساب أنفسنا وما تريده حقًا.

إن أكثر من يُرافقنا في الحياة صدقًا هو النفس، إن خالفناها بالاختيار، عاقبتنا بالشعور إما بتأنيب الضمير وإما بعدم الرضا، وإن أهملنا ما يُخالجها دون مُراعاة أو مُعالجة، استوطنها حزن خبيث يتفشى فيها بصمت حتى يُصبح أثقل من أن تحمله فتنهار قواها، ونحن لا يسعنا في هذه المرحلة سوى مُعالجة العوارض لا الأسباب وقد مر عليها وقت نسينا خلاله لماذا نعاني أصلًا، وذلك بكل بساطة لأننا لم ننصت لأنفسنا في حينها حتى نُغيّر ما أمكن من تلك الأسباب أو على الأقل نتجنب كل قرار بُني على أساسها.

النفس تتقلب من حال إلى حال بكل شفافية، لأن فيها من الصدق ما ينزهها عن التخفي خلف قناع الادعاء، بما هي ليست عليه، ومهما ظهر للخارج أننا على توافق وانسجام بين ما نُظهره وما نُريده، فإن كل واحد منا يعرف تمام المعرفة ما تُحدثه به نفسه وأين هي فعلًا من أفكاره، ومن قراراته، ومن نهج حياته، ومما يُحققه ويسعى إليه من أحلام وأمنيات.

مهما بلغ الخلاف – بين ما ترغبه أنفسنا وما نُريده نحن – أشدَّهُ، هذا الخلاف لا يمكن تجاوزه بإغفالها أو إهمالها فينالنا منها عقاب تراكمي مع الزمن لا مفر منه، عقاب قد يكون قاسيًا إلى الحد الذي يتجاوز تأثيره النفسي ليطالنا بالجسد وبالفكر فتضعف بسببه طاقتنا على التفكير بصفاء وتعقل وعلى التحرك بقوة وثقة.

النفس ليست عدوًا وإنما هي رفيقة درب في كل الظروف تحتاج أن نسيرَ معها في رحلة استكشافية، ننصت لما بداخلها بكل تنبه، نقف معها عند محطات نتواجه فيها بين ما تُريده هي وبين ما يجب أن يكون، فنُهذّب مرادها نحو ما هو الأفضل في الفائدة والأسلم في الرغبة وذلك بكل تفهم وتقبل، وليس هنالك كلام أدل على قيمة التعرف على خوالج النفس وعلى أهمية التغيير فيها من قوله تعالى «إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ» فنخوض معها – بإنصاتنا لها وبتغييرنا ما يجب تغييره – رحلةَ حياة زادها متعة التصالح ولذة الانسجام.

 

مدربة حياة – Life Coach

 

 

[email protected]

@ranasibai14

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X