كتاب الراية

عن شيء ما .. الرسائل القديمة

اللهفة والشوق كانا موجودين في الرسائل القديمة أكثر من رسائل العصر الحالي، فأن تقرأ ورقة وتشم رائحة حبرها وتتأمل تآكل أطرافها وتتعمّق في خط كاتبها لهِيَ متعة وجدانية لا توفّرها الرسائل الإلكترونية الحديثة،

فالرسالة تحمل قيمةً معنويةً تُميّزها عن شتى وسائل العصر، والأوراق التي كانت تُستخدم في الرسائل كانت تُميّز الرسالة وتحمل مدلولات خاصة، لذا هي تترك أثرًا نفسيًا لدى المُتلقي يختلف عن الرسالة النصية على الهاتف التي لا يمكن تعطيرها أو تجميلها بوردة، ومن المُذهل أن الرسائل المكتوبة تُعطي مساحةً للتعبير الوجداني، فهي تجعل الجهاز العصبي يُفرز هرمونات تُساعد على تخفيض التوتر !

أما اليوم فمُعظم الرسائل أصبحت جاهزةً ومكتوبةً وتتم إعادة إرسالها، وبالتالي لا تحمل أي نوع من المشاعر والأحاسيس.

لا شك أن التكنولوجيا وفرت علينا الكثيرَ من الوقت والجهد في التواصل، لكنها حتمًا أخذت منا أشياء جميلة ستنقرض قريبًا، إضافة إلى أننا بتنا نعلم متى وصلت الرسالة وهل قرأها مُتلقيها أم لا !!

يبدو هذا إنجازًا تكنولوجيًا رائعًا، لكنه سرق منا لحظات الانتظار وذلك العبق الذي نستنشقه عندما نقرأ رسالة وصلتنا مُتأخرة أو احتفظنا بها لسنين.

نعم، هناك رسائل تحتفظ بها المتاحف يعود تاريخها لآلاف السنين، وهناك صناديق مُقفلة في بيوت المُحبين من أجدادنا تحمل في بطونها رسائلهم وذكرياتهم، إذ جميعنا نبوح بعواطفنا لحظة الألم، لكن الاحتفاظ بهذه الرسائل وجعلها ميراثًا للتاريخ أمر مُثير للاهتمام.

وهو ما فعله المؤرخ والروائي «سايمون سيباغ مونتيفيوري» حين جمع خطابات ورسائل تاريخية كتبها قادة وفنانون وعشاق مشهورون ليفتح لنا نوافذ تطل على حقبٍ وأحداثٍ تمتد منذ زمن الفراعنة إلى القرن الحادي والعشرين.

الكتاب يحمل عنوان (مكتوب في التاريخ – خطابات غيّرت العالم)، يتحسر فيه الكاتب على فن الرسائل المُدونة، فالخصوصية والحميمية التي يحملها الخطاب التقليدي المُسطر بالقلم على الورق ماتتا مع قدوم هذا العصر الرقْمي.

تُرى من منا سيترك أثرًا كهذا؟ ورقة مكتوبة بخط اليد تحمل رائحة مشاعره وتؤرخ لحِقبةٍ زمنيةٍ عاشها، أو أننا نحن أبناء العصر الرقْمي لن نتركَ أثرًا يُذكر سوى أجهزة إلكترونية وكلمات مطبوعة بخط رقْمي بديل عن خط يدنا الذي كان يُميّزنا عند أحبائنا؟

هذا ما خطر لي وأنا أُقلّب بأوراقي القديمة التي كنت أحتفظ بها منذ أيام الطفولة مع ريال قطري كان في جيب ثوب المدرسة آنذاك، ولذلك السبب يبدو مُختلفًا الآن عن كل ما في يدي من أموال.

 

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X