مقالات رئيس التحرير
صاحب السمو خاطب العالم عبر منبر الأمم المتحدة

لا يجوز أن يكون المسّ المقصود بمقدَّسات الآخرين نموذجًا عن حُرية التعبير

حلّ النّزاعات بالطرق السلميَّة طريق طويل وشاقّ ولكنَّة أقلّ كلفةً من الحروب

تصدير الطَّاقة يفرض علينا واجبات تجاه دول العالم.. وشعبنا وأجياله القادمة

لا يجوز أن يبقى الشعب الفلسطيني أسيرَ تعسُّف الاحتلال الإسرائيليّ الاستيطانيّ

كأس العالم 2022 في قطر كانت الفرصة للتفاعُل بين الشعوب والتعرُّف على ثقافتنا

حَظِي خطابُ حضرةِ صاحبِ السُّموِّ الشَّيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المُفدَّى، في الجلسةِ الافتتاحيَّةِ للجمعيَّة العامَّة لمُنظَّمةِ الأُممِ المُتحدة في دورتِها الثَّامنة والسَّبعين، باهتمامٍ دوليٍّ واسعٍ، لما تضمَّنُه الخطابُ السامِي من رسائلَ هامَّةٍ وواضحةٍ ومباشرةٍ تتناولُ أهمَّ القضايا الإقليميَّة والدّوليَّة، كان أبرزَها القضيَّةُ التي شغلت الأُمَّةَ الإسلاميَّةَ، وهي الردُّ على تَكرارِ حوادثِ حرْق نسخٍ من القرآنِ الكريمِ، حيث أكَّدَ سُموُّ الأميرِ على أنَّ القرآنَ أسمَى من أن يمسَّه معتوهٌ.. في الوقتِ الذي أكَّدَ سُموُّه على أنَّه لا يجوزُ أنْ يكونَ المَسُّ المقصودُ بمقدَّسات الآخرينَ نموذجًا عن حُريَّة التَّعبير.
حَظِيتْ تلك الجُملةُ التي توسَّطت خطابَ سُموِّ الأميرِ باهتمامِ الشُّعوبِ العربيَّة والإسلاميَّةِ والشَّعبِ القطريّ.. في تلكَ الجُملةِ قالَ سُموُّ الأميرِ: «اسْمحوا لي أنَّ أنبِّهَ إلى ضرورةِ مُحاربةِ العنصريَّةِ وحَملاتِ التَّحريضِ على شعوبٍ ودياناتٍ وحضاراتٍ بأكملِها. وبالمُناسبةِ أقولُ لإخواني المُسلمينَ: إنَّه لا يجوزُ أنْ يشغلَنا معتوهٌ، أو مُغرِضٍ كلما خطرَ بِبَالِه أنْ يستفزَّنا بحرْقِ القرآنِ الكريمِ أو بنذالةٍ أخرى. فالقرآنُ أسمى مِن أنْ يمسَّه معتوهٌ. قالَ تعالى: «خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ»، صدقَ اللهُ العظيمُ.

وفِي الوقتِ ذاتِه أقولُ لكلِّ مَن يبرِّرُ هذهِ الأفعالَ القبيحةَ بأنَّها حُريّة تعبير: «لا يجوزُ أن يكون المسُّ المقصودُ بمقدَّسات الآخرينَ نموذجًا عن حُرية التعبيرِ».
كما تابعْنا بفخرٍ، استعراضَ سُموِّ الأميرِ في خطابِه الأُمميِّ الإنجازاتِ القطريَّةَ، وما شهدتْه الدولةُ من نهضةٍ شاملةٍ في مُختلِف المجالاتِ خلالَ السَّنواتِ القليلةِ الماضيةِ، رُغم التَّحدياتِ العالميَّةِ، بالتَّأكيدِ على حُلْمِنا فِي قطرَ بأنْ تكونَ بلادُنا من الأُممِ المُزدهرةِ التي ينعمُ شعبُها بالرفاهِ والازدهارِ، وأنَّنا استثمرْنا في تحقيقِ حُلْمِنا هذا عقودًا من التَّخطيطِ والعملِ التَّنمويِّ الشَّاملِ. و«قد حقَّقنا الكثيرَ بفضلٍ مِن الله، ثم بتكاتفِ الجميعِ في قطرَ».
تناولَ الخطابُ الشاملُ لسُموِّ الأميرِ العديدَ من المضامينِ الهامَّةِ والرسائلِ القويَّةِ، التي تعكسُ رؤيةً واضحةً ومنحازةً لقضايا الأُمَّتَينِ: العربيَّة والإسلاميَّة العادلة.. وتطلُّعاتِ الشُّعوبِ المقهورةِ حولَ العالم، تحتَ وطأةِ الفقرِ، والحروبِ والمنازعاتِ، والظّلم، والبطالةِ، حيث يحرصُ سُموُّ أميرِ البلاد المُفدَّى، على المُشاركةِ في أعمالِ الجمعيَّةِ العامَّةِ للأُممِ المُتّحدةِ بمدينة نيويورك سنويًّا منذُ عامِ 2013 وحتَّى الآن، لاستعراضِ ثوابتِ دولةِ قطرَ ورؤيتِها تُجاهَ العديدِ من القضايا، وسُبلِ تجاوزِ تداعياتِ الأزماتِ السياسيّةِ، والكوارثِ الطبيعيَّة.
وأكَّدَ سُموُّ الأميرِ في خطابِه السامِي أمسِ، على أنَّ تصديرَ الطَّاقةِ يفرضُ علينا واجباتٍ تُجاهَ دولِ العالمِ كشريكٍ موثوقٍ، كما يفرضُ علينا واجباتٍ تُجاه شعبِنا وأجيالِه القادمة، ونوَّه سُموُّه إلى أنَّ كأسَ العالمِ 2022 في قطرَ، كانت الفرصةَ للتَّفاعل بين الشُّعوبِ، وأن يرى العالمُ شعوبَنا على سجيَّتِها، ويتعرّفَ على جوانبَ من ثقافتِنا وقيمِنا، وعلى مكانةِ قطرَ كوجهةٍ عالميَّةٍ تربطُ الشَّرقَ والغربَ.
كما أكَّدَ صاحبُ السُّموِّ على وجودِ فجوةٍ عميقةٍ بينَ عصرِ الابتكارِ الذي نعيشُه، وفي الوقتِ نفسِه ازدياد معدلاتِ الفقرِ والجهلِ والبطالةِ، وغيابِ العدالةِ في توزيعِ الثّروةِ، بالإضافةِ إلى الضَّررِ الكبيرِ على البيئة.. مُنوِّهًا سُموُّه بأنَّ قمَّة الويب في الدوحةَ في العامِ 2024، سيشكّلُ انعقادُها فرصةً هامةً لاستعراضِ التطوُّرِ في مجالِ التكنولوجيا، وخلْق فرصِ تعاونٍ جديدةٍ في عالمِ التكنولوجيا لصالحِ البشريَّةِ جمعاء.
ولا شكَّ أنَّ خطابَ سُموِّ الأمير أمامَ الأُممِ المُتحدة قد كسرَ جدارَ الصَّمتِ العالميّ تُجاه العديدِ من القضايا، فكانَ صوتَ الشُّعوبِ المقهورةِ.. من فلسطينَ وليبيا إلى لبنانَ واليمنَ وسوريا.. بالتَّأكيد على أنَّ «هناك شعوبًا حولَ العالمِ وبالأخصِّ في مِنطقتِنا، تشغلُها مآسي الحاضرِ، ويعدُّ الانشغالُ بالقضايا التي ذكرتُها نوعًا من الرفاهيَّة»..
وتصدَّرَ الشعبُ الفلسطينيُّ وقضيّتُه العادلةُ الأولويةَ في خطابِ سُموِّ الأميرِ لضميرِ العالمِ، حيثُ أكَّدَ سُموُّ الأميرِ، أنَّه لا يجوزُ أن يبقَى الشّعبُ الفلسطينيُّ أسيرَ تعسُّفِ الاحتلالِ الإسرائيليِّ الاستيطانيِّ، الذي يتَّخذُ شكلَ نظامِ الفصلِ العنصريِّ في القرنِ ال21.. في الوقتِ الذي تردُّ فيه إسرائيلُ على مُبادراتِ السّلامِ والتَّطبيعِ العربيَّةِ بالكثيرِ من التعنُّتِ والتّطرُّفِ القوميِّ الدينيِّ الأصوليِّ في الائتلافاتِ الحكوميِّةِ والمزيدِ من الاستيطانِ وتهويدِ القُدس، وتشديدِ الخناقِ على قطاعِ غزَّةَ.. مُنوِّهًا بتقديمِ دولةِ قطرَ الدعمَ السياسيَّ والإنسانيَّ والتنمويَّ للشَّعبِ الفلسطينيِّ الشَّقيقِ، كما تساهمُ في إعمارِ قطاعِ غزَّةَ الرازحِ تحتَ الحصارِ، علاوةً على مساهمتِها المُتواصلةِ في تمويلِ وكالةِ غوث اللاجئينَ، وتواصلُ تمسُّكَها بالموقفِ المبدئيِّ من عدالةِ هذه القضيَّةِ.
كما عبَّرَ سُموُّ الأميرِ عن تطلُّعات الشعبِّ السودانيِّ، مؤكدًا إدانةَ الجرائمِ المرتكبةِ ضدَّ المدنيينَ في الخُرطوم، ودارفور، والدعوة لمُحاسبةِ مُرتكبيها، ووقف القتالِ وبدْء الحوار.
كما أكَّدَ سُموُّه عدمَ جوازِ التَّسليمِ بالظُّلمِ الواقعِ على الشَّعبِ السوري كأنّهُ قَدَرٌ، مُحذِّرًا من الخطرِ المُحدِقِ بمؤسَّساتِ الدَّولةِ في لبنانَ، مُجدِّدًا الدعوةَ بضَرورةِ إيجادِ حلٍّ للفراغِ الرئاسيِّ.. كما دَعَا لتسويةِ الأزمةِ في اليمنَ بالحوارِ، مؤكِّدًا دعمَ قطر مهمةَ مُمثلِ الأمينِ العام لحلِّ الأزمةِ اليمنيَّة. في الشأنِ الليبي، جدَّدَ سُموُّه الدعمَ الدائمَ لمساعي المُمثلِ الخاصِّ للأمينِ العامِّ ورئيسِ بعثة الأمم المُتحدة للدعمِ في ليبيا وجهودِه المبذولةِ لتحقيقِ نتائجَ ملموسةٍ لحلِّ الأزمةِ الليبيَّة.
كما حَملَ خطابُ سُموُّ الأميرِ المُفدَّى رسائلَ مباشرةً لضميرِ العالمِ، يتصدّرُها التحذيرُ من الفجوةِ الواضحةِ بين عصرِ التقدُّمِ المُتسارعِ الذي لم يسبقْ له مثيلٌ، والذي تسودُ فيه رُوحُ الابتكارِ في مجالاتِ الطبِّ والتكنولوجيا والعلوم عمومًا، وما يعيشُه العالمُ من زيادةِ معدّلاتِ الفقرِ والبطالةِ والجوعِ والحروبِ الأهليَّة، وكأنَّ شعوبَ الكُرةِ الأرضيَّة تعيشُ في عصرَين مُختلفَين.. مُقدِّمًا الحلولَ بالتَّعاونِ والاستثمارِ في تطويرِ هذه التّقنياتِ وتوحيدِ الجهودِ لمنعِ إساءةِ استخدامِ الفضاءِ السيبرانيّ، وتنظيم هذا الجانبِ الحيويّ استنادًا لأحكامِ القانونِ الدوليّ.
إنَّ الاهتمامَ الكبيرَ الذي يحْظَى به خطابُ صاحبِ السُّموِّ أمام الجمعيَّة العامَّة للأُمم المُتحدة، يعكسُ نجاحَ رؤيةِ وجهودِ سُموِّ الأميرِ، على الساحتَين: الإقليميَّة والدوليَّة في ترسيخِ مكانةِ دولةِ قطر، لتصبحَ صوتًا مسموعًا وفاعلًا ومقدرًا، وشريكًا دوليًا موثوقًا في جهودِها الدّبلوماسيَّة والإنسانيَّة، كما يعكسُ دورَ قطرَ في تقديمِ المُساعدات الإنسانيَّة، وفي جهودِ الوساطةِ وحلِّ النّزاعاتِ، التي تؤثّرُ على مِنطقتِنا.
كما أنَّ تاريخَنا القريبَ حافلٌ بالإنجازاتِ الدبلوماسيَّة في نزعِ فتيلِ الأزمات، واستخدامِ الدبلوماسيَّة الوقائيَّةِ لتقريبِ وجهاتِ النّظرِ بين الفرقاءِ والدّولِ، وتوقيع اتّفاقاتٍ تاريخيَّةٍ تعيدُ الأمنَ والاستقرارَ والعَلاقاتِ الدبلوماسيةَ بين طرفَي المفاوضاتِ.
دولة قطرُ شريكٌ استراتيجيٌّ فاعلٌ في دعمِ أنشطةِ وعملِ الأُمم المُتحدة، وتُوِّجت تلك الشراكة باستضافةِ قطر 12 منظمةً ووكالةً دوليةً تُعنى بقضايا دوليَّة هامَّة، مثل: مُكافحة الإرهابِ، والتّنمية المُستدامة، وحماية الأطفال، والتَّعليم، في بيت الأُمم المُتحدة بالدوحةَ، ما يعكسُ أهميَّةَ الدورِ الدوليِّ لدولةِ قطرَ التي تمتلكُ دبلوماسيةً نشطةً في إطارِ العملِ مُتعدّد الأطرافِ، ودورًا بارزًا في عدّةِ ملفاتٍ على غرارِ ملفّاتِ الوساطةِ وفضِّ المُنازعات.
كما أنَّ مبادراتِ قطر الدبلوماسيَّةَ والإغاثيةَ بتوجيهاتِ حضرةِ صاحبِ السُّموِّ أميرِ البلادِ المُفدَّى ما زالت شاهدةً على حرصِ دولةِ قطر على مدِّ يدِ العونِ للأشقَّاءِ والأصدقاءِ في وقتِ الشدّة، من منطلقٍ أخويٍّ وإنسانيٍّ، ودون أيَّةِ أهدافٍ سياسيَّة، لتكونَ نموذجًا في التَّعاون الدوليِّ والإقليميِّ لخيرِ وسلامِ واستقرارِ العالمِ.

 

[email protected]

 

العلامات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X