نافذة على الإبداع.. مهرجان مؤسسة سان جيرمان يُكرِّم اسم جون بيرو

إن أهم ما يُميّز التاريخ الثقافي والفني في العالم، هو تلك الحقب التي تُسمَّى بالحقب الذهبية نسبة لحالة التشظّي والوفرة في الإبداع والفكر، من هنا قد نتعرف على عصور بعينها على أنها «حِقبة ذهبية» أو حِقبة راقية، وهذا ما يُطلق تحديدًا على أهم عصور الفن والاستقرار الفكري في العالم وهي حِقبة «بيللي بوك Belle Époque» أو حقبة التفوق الإبداعي والفني في باريس، وهي الحِقبة التي تتمنى مُعظم الدول الأوروبية أن تعود، من هذا المُنطلق تعقد مؤسسة سان جيرمان هذا العام مِهرجان «بيللي بوك» وهو مِهرجان يحتفي بفناني هذه الفترة ويتخذ اسمًا من أسماء هؤلاء النابهين في ذلك العصر ليُطلق عليه اسم مهرجان العام، وهذا العام تحتفي المؤسسة باسم الفنان الباريسي الجميل «جون بيرو» ليُصبح شخصية المهرجان هذا العام.
لم يكن جون بيرو مثله مثل مُعاصريه الذين ساروا بقوة في الانطباعية لكنه وعلى الرغم من أن البعض يحسبه – بشكل أو بآخر – كفنان انطباعي من زاويةٍ ما، إلا أنه لم يكن كذلك بالمرة ونحن لا نستطيع أن نُصنفه رغمًا عنه في مدرسة ما، لكنه من الواقعيين الذين أحبوا تصوير المشهد الباريسي الذي وصل لأَوْج مجده وعظمته في فترة ازدهار فن «جون بيرو» وكان مثل هذه الكوكبة من الباريسيين أمثال لوتريك وستانلين ومونيه، وغيرهم الذين وجدوا في المشهد الباريسي ومشاهد الحياة اليومية للطبقة المتوسطة الغنية، مُتنفسًا لفنهم وجذبهم هذا الجمال الذي كان يُجلل هذه الفترة، فنجد أن عيون بيرو وأقرانه تفتحت على الأماكن التي كانت تغص بالكثير من أهل باريس، كالمقاهي والمسارح ودور الفن والميادين الشهيرة، ونجدها تظهر صراحة في أعمال بيرو مُتمثلة في كافي دو باري وقهوة الأدباء وصالة جافارد، وحتى دور العبادة مثل ميدالين وسانت ترينتي وأماكن تجمعات الطبقة المتوسطة الميسورة بشكل أو بآخر ومن ثم كان بيرو يبتعد عن المثالية واستبطان ذاته في التصوير بل كان واقعيًا مُدربًا لأبعد الحدود وحتى لا نخلط بين أعمال جان بيرو وبين أعمال المدرسة الواقعية علينا أن نقول: إن المقصود بواقعية بيرو هي واقعية خاصة تتمثل في أمانة نقل المشهد، مع الوصول به لمرحلة قياسية تجعلنا نشعر أن هناك قصة ما وراء المشهد المُصوّر ويتضح ذلك بقوة في لوحته الشهيرة – في طريق العودة من الجنازة – حيث كانت العمل الذي قرّبة للجماهير وعرّف المُتذوقين به، ورغم أن البعض قد يرى اللوحة بسيطة من حيث الفكرة إلا أنها عميقة جدًا في مضامينها وتقنياتها إذا تأملناها بشكل نقدي، وعدم فصلها عن الإطار التاريخي الاجتماعي لفترتها.
وعلى الرغم من أن لوحة العودة من الجنازة بها الكثير من تقنيات الانطباعية، لذا فإنها من الأعمال التي يتكئ عليها بعض النقاد كي يضموا بيرو لزمرة الانطباعيين، لكن في الحقيقة على الرغم من وجود هذه التقنيات تظل اللوحة من أهم أعمال الباريسيين الواقعية.