تجربة حياة.. الحضور مع اللحظة الراهنة

ما بين ماضٍ تخطّته عجلةُ حياةٍ لا تعرف للعودة إلى الوراء سبيلًا، وليس بمقدورها أن تحملَ منه بأحداثه كبيرها وصغيرها، حلوها ومرّها سوى مُجرد ذكريات لا أكثر، وما بين حاضرٍ ماثلٍ أمامنا بلحظاته النابضة بالحياة ولم يزل واقعها قابلًا للتحرك في فلك ما نقررُه وما نتصرفُه، وما بين مُستقبلٍ لا تربطنا به إلا مُخيِّلة ليس لها ما تؤكده، وإنما فقط ما تتصورُهُ وتتوقعُه، أين نحنُ من هذه الدُّوّامة مع الزَّمن؟
إنَّ أيامنا في أغلبها، إنما تمرُّ على نحو تلقائي مُبرمج مما نُكرّره في حياتنا اليومية، فإذا بنا نعيش يومَنا دون أن نتوقف عند الكثير مما يُراودنا فيه من أفكار، ودون أن نُدققَ بشكل تام في معنى ومغزى ما نقوم به من تصرُّفات، فتفوتُنا من اللحظة الراهنة فرصةُ التنبَُهِ لما قد تحمله من فرص غنية بخِيارات جديدة مُغايرة لما اعتدناه، وما تختزنه من مُتعة في ثنايا أمورها البسيطة، وكل ما كنا نحتاجه لاختبار ذلك كله مُجرد الحضور بوعي يقِظ معها لا بوعي تلقائي.
أن تتمكن من أن تخوض حاضرك بكل طاقتك، لا بد أن تُلقي عن عاتقك حمولة الماضي وما تسلبك من قوة، وذلك بالتسليم لحقيقة أن الماضي – وما فاتك فيه – زمنٌ رحلَ بمُعطياته، وإن وقته قد نَفِدَ بكل ما كان مُتاحًا فيه من خِيارات ولن يعود، ومتى ما حاولت الذاكرة أن تسترجعك نحوَه، فليكن ذلك بوعي لحقيقة انقضائه وبحرص عاطفي على رواسب تأثيراته، بحيث تبقى الذاكرة في رحلتك معها في إطار دورها كأداة للتذكّر والعبرة ولا تتخطاه بإلقائك في دُوامة التحسر والندم.
أن تعيش لحظاتك الراهنة بإدراك ومتعة دون أن يغلبك تيار الحياة اليومية وضغوطاته، إنما يتطلب أن تُدرّبَ عقلك على التنبه واليقظة لموقعك في كل موقف حاليٍّ تعيشه، أن تعي ما يُحيط بك وما يجري حولك، فتحتوي بوعيك وتختبر بإحساسك تفاصيلَ ما أنت بصدَدِهِ حتى في أبسط الأمور، وتُركّز على ما تختزنه لحظاتك الراهنة من جوانب إيجابية، وما تُتيحه لك من أفق وما تُحرّكه من مشاعر وتلامسه من أحاسيس فتعيشها بكل كيانك، مُكتسبًا منها السعادة والمتعة التي هي حقك.
لك حق التمتع بكل لحظة كُتب لك أن تحياها، فلا تدع شعور التحسّر على الماضي ولا هواجس القلق من المُستقبل أن تزيد عن قدرها عندك فتطغى وتسلبك بطغيانها هذا الحق، وتذكر بأن اللحظة الراهنة هي كل ما تملك من مسار حياتك، فلا الماضي يعودُ ولا المُستقبل مؤكدٌ حدوثُه، فتمتع بما تمتلك وجوده فعلًا وما هو مؤكد حدوثه واقعًا، وما زلت بقادر على تغييره حتى يُصبح على هوى رغباتك وأمنياتك.
الحاضر هو الحياة بمعناها الحيّ، فاحْيَ معه وتلذذ متعته بحماس وامتنان وما سواه مجرد ذكرى مضت أو حُلْم قد يكون وقد لا يكون، وكما قال شمس الدين التبريزي: «ما الزمن إلا وهم فحسب فكل ما تحتاج إليه هو أن تعيشَ هذه اللحظة بالذات، هذا كل ما يهم».
مدربة حياة – Life Coach