سطور شاردة.. دورات رغم أنفك

في إطارِ عَلاقةِ الإدارة بموظّفيها هُناكَ ما يسمَّى بالتَّكوين المُستمرّ، والذي هو عبارةٌ عن دوراتٍ ينظمُها معهدُ الإدارة العامّة من أجلِ تطويرِ الموظّفِ وتحسين معارفِه ومهاراتِه، لتقريبه من أهمِّ المُستجدّات في عملِه، وذلك لتحسينِ الأداءِ الوظيفيّ في الإدارة وتجويد عملِها.
وهذا أمرٌ لا جدالَ حولَ أهميتِه إذا كانَ مُتوافقًا مع حاجيّات الموظّف ومُلبّيًا لرغباته المهنيَّة وشغفه في التعلُّم أكثر والاستفادة، لكنَّ الإشكال هو أنَّ من هذه الدوراتِ ما يُسمَّى بالدوراتِ الإلزاميَّة، وهي دوراتٌ خاصةٌ يجبُ على المُوظّف أن يلتزمَ بها لكي يرتقِيَ إلى درجةٍ وظيفية أعلى من التي هو فيها، إذ لا يمكن ترقيته إلا إذا اجتازَ هذه الدورات!
فالإشكالُ الذي يطرحه هذا النوع، يتمثلُ في مجموعةٍ من الخروقات التي تخالفُ الهدفَ الأساسَ منها، حيث أتتني بشأنها شكاوى من المتدربين والموظفين الذين يشتكون سوءَ التعامل من معهد الإدارة العامة، وهو ما دفعني لكتابة هذه المقالة، لعلي أكشف جزءًا من هذه الخروقات والتجاوزات.
وأولها أنَّ الترقية حقّ أساسي من حقوق الموظف، مادام أنه اجتازَ عددًا من سنوات الخدمة اللازمة للترقية، وتم تقييم أدائِه من طرف رؤسائه المباشرين، وبالتالي ليس من حق المعهد أن يلزمه بدورات لا خيارَ له فيها ولا اختيارَ، ولا رغبة له فيما تقدمه، ولا يرى حاجة لذلك، فلا يهم موضوع الدورة وقيمتها، فالمهم هو أن ينكفئ الموظف أمام دورة حضورية أو عن بُعد فقط حتى يتسلم شهادة الحضور في النهاية وتتم ترقيتُه!
فمتى كان التعليم والتدريب بهذا الشكل؟، فالمعروف في كل المعاهد في العالم، هو أن الدورات التكوينية تكون وَفق اختيار الموظف ورغبته، فلا يمكن أن نعلّم أيًا كان، أو ندربه بالإكراه وبتهديدِه في رزقِه ورزق أولادِه، والذي ينتظر لسنوات حتى يترقَّى وتتحسن وضعيتُه. فإن لم تكن هناك مرونة في التّعليم، لا يمكن أن نتحدث عن موظفين ذوي كفاءة عالية، ومُحبين لعملهم ومُخلصين له.
أمَّا الشق الآخر من الإشكالية فإنَّ تنظيم هذه الدورات من طرفِ هذا المعهد يتمُّ بشكلٍ غريبٍ لا يتناسبُ مع الواقعِ المعاصرِ، وحقوق الموظّف . إذْ إنَّه يعامل الموظف كتلميذٍ في روض الأطفال يُحاسب على الدقيقة والثانية، وعلى موعد الدخول والخروج، كأنه ليس إنسانًا له هموم وحاجيات أخرى قد تداهمه في أي وقت. فأي تأخر أو مخالفة سيكون عقابه الحرمان من الشهادة !
أمَّا إذا كانت الدورة عن بُعد، فهذا له قصّة أخرى لا تقلُّ عن سابقتها، إذ يؤمر الموظف بأن يشغل الكاميرا في الوقت المحدد، ويجلس أمامها بلا حراك طوال مدة الدورة، مظهِرًا نصفَه العلويّ. إذ إنَّه يوجد مراقب همّه مراقبة الحضور والغياب والحركة.. فأنت هنا لابدَّ أن تنصاعَ وأن تتحولَ إلى صنمٍ بلا حركة !
وفي الأخير، فإنَّ هذه الملاحظات ليست نقدًا بقدرِ ما هي دعوة لمُراجعة بعض الأمور التي لا قيمةَ لها حقيقة ولا أثر لها على تجويد الإدارة. إذ يجب على معهد الإدارة أن يراجعَ قراراتِه ويتعاملَ مع الموظفين على أنَّهم أشخاصٌ أفنوا زهرةَ أعمارهم في التعليم والتدريب والتكوين، وبأنَّهم لم يعودوا أطفالًا في مدرسة ابتدائيَّة!