المنتدى

عن إدارة الأزمات والكوارث الطبيعية

بقلم /د. محمد نشطاوي

كانت رائحةُ الموت والدمار هي السمة المشتركة لزلزال المغرب وإعصار ليبيا، وكان القتلى بالآلاف، والخسائر مهولة، والخوف من الطبيعة وغضبها مروعًا. وكل ما تبقى هو أكوام من الحجارة والأتربة وأطلال من بنايات هشة بهشاشة قاطنيها إما من مخلفات الزلزال، أو بقايا الإعصار، تبحث عن أصحابها وعن آثار حياة كانت موجودة ومرّ طيفها دون سابق إنذار.
إن الآثارَ الاقتصاديةَ الناجمةَ عن الإعصار -خاصة عن الزلزال نظرًا لقوته التدميرية الهائلة، والاتساع الكبير للمنطقة التي ضربها- عديدةٌ مست تدمير البنية التحتية، وتعطيل الإنتاج الصناعي، والخسائر الزراعية، وانخفاض السياحة وحتى تكاليف إعادة الإعمار…، واليوم، وبعيدًا عن الجانب الإنساني، فإن مسألة قياس تأثير هذه المأساة على الاقتصاد أمر بالغ الأهمية. «لقد تسبب الزلزال في تدمير الثروات، مما أثر على التراث والتدفقات الاقتصادية» .
وبغَضّ النظر عن كيفية مواجهة سلطات البلدين لهاته الأزمات، إلا أن ضعف البنى التحتية وغياب مراكز إدارة الأزمات يفرض على أي سلطة إعادة ترتيب أولوياتها، لاسيما أن ما وقع في المغرب وليبيا ممكن الحدوث والتكرار في أي بلد بشكل عام وفي العالم العربي بشكل خاص.
لقد عزز زلزال المغرب مخاوفَ كبيرة لدى شعوب المنطقة العربية من خطرٍ مماثل قد يضرب بلدانها، لا سيما وأن هذا الزلزال جاء بُعيد أشهر قليلة من زلزال 6 فبراير الماضي، الذي ضرب كلًا من تركيا وسوريا، مخلفًا حصيلة مفجعة من الضحايا، ما يدل على نشاط زلزالي في المنطقة، وأن البلدان العربية تبقى عرضة للزلازل بوقوعها جغرافيًا ضمن أحزمة زلزالية رئيسة (الحزام الزلزالي الآسيوي-الأوروبي، والحزام العربي-الإفريقي، وحزام صدع شرق القارة الإفريقية)، مما تثار معه درجة الاستعداد الاستباقي لمواجهة كوارث من هذا الحجم لتجنب كلفتها الباهظة بشريًا وماديًا.
وقد عودتنا الطبيعة أن الأزمات يمكن أن تضرب في أي وقت، بإنذار أو بدون سابق إنذار، ويمكن أن تتخذ أشكالًا عديدة: كوارث طبيعية، وهجمات إرهابية، وحروب، وهجمات سيبرانية، وأوبئة.
وبعيدًا عن أي تهديد مباشر للأشخاص والأصول والعمليات، غالبًا ما يكون للأزمات وأحداث الطوارئ الحرجة تأثيراتٌ غير متوقعة.
وتعتبر إدارة الأزمات عملية ونهجًا قائمًا على استراتيجية تمكّن من تحديد التهديد أو الحدث غير المتوقع أو أي اضطراب سلبي يمكن أن يضر بالأشخاص أو الممتلكات أو العمليات التشغيلية والاستجابة له بشكل فعال. ولكي تكون السلطات مستعدة للرد بشكل استراتيجي على حدث يتحول إلى أزمة، لابد من وضع خطة لإدارة الأزمات والتعامل مع آثارها وتداعياتها.
ويتضمن التخطيط السليم لمواجهة مثل هذه الكوارث، إنشاء فريق لإدارة الأزمات ووضع خطة لإدارة الأزمات لحماية الأشخاص، والحفاظ على استمرارية الأعمال، وتمكين التعافي من الكوارث، وحماية العوائل والأسر قبل وأثناء وبعد الحدث الكارثة.
ويعتبر المغرب، بحكم موقعه الجغرافي ومواصفاته الجيولوجية، من بين الدول الأكثر عرضة للكوارث الطبيعية الاستثنائية (الزلازل، الفيضانات، السيول، إلخ)، ما يتطلب معه التوفر على خطط للتعامل معها.
وقد عمل المغرب على وضع استراتيجية وطنية لتدبير مخاطر الكوارث الطبيعية (2020/2030)، تتمحور حول ثلاثة أهداف: تحسين المعرفة وتقييم المخاطر، وتعزيز الوقاية من المخاطر لتعزيز القدرة على الصمود والاستجابة لها، وتحسين الاستعداد لمواجهة الكوارث الطبيعية من أجل التعافي السريع وإعادة الإعمار الفعال.
وإذا كان من الضروري أن يكون لدى كل البلدان بنيات لإدارة الأزمات لضمان تنفيذ خطط الاستجابة السريعة، تعمل على إعداد عملية مواجهة ما لا يمكن التنبؤ به، وتحديد الأدوار والإجراءات التي يجب تنفيذها، والمواقف التي يجب اعتمادها، مع تقليل الضرر الذي يلحق بمؤسساتها المتداخلة (الوقاية المدنية، الإسعاف، قوات الطوارئ، الجيش، الشرطة، الدرك..).
إن الاستجابة السريعة والدقيقة لكل حادث يبقى أمرًا حاسمًا وضروريًا لتقليل تأثير الأزمة. ويجب أن تساعد خطة إدارة الأزمات في تجنب التأخير أو تفويت المهام والواجبات أو أوقات الاستجابة البطيئة.
وعند وضع خطة إدارة الأزمات يجب على المؤسسات المُشتغلة في الميدان تسهيل التواصل بينها والاستفادة من التنسيق الواضح والسريع. وللقيام بذلك، يجب أن تعتمد على تكنولوجيا إدارة الأزمات التي تضمن سلامة الأشخاص والمُمتلكات والاستعادة الفعالة للأنشطة المعتادة.
وحتى لا تتكرر مآسي ما عاشه المغرب وليبيا، تبقى البلدان العربية مطالبة بتطوير منظومة تدبير مخاطر الكوارث، وتحسين الآليات الوطنية لتبادل وتقاسم المعطيات والدراسات المُتعلقة بمخاطر الكوارث على المستويين الإقليمي والدولي.
كما يجب على جميع البلدان العربية الانخراط في إصلاح هيكلي بُغية تجويد سياستها في مجال تدبير المخاطر، وذلك عبر خلق أقطاب كفيلة بتنمية قدراتها في التتبع والتوقع، وتطوير إمكانياتها الاستباقية، وتجاوز المنظور التقليدي المستند على مقاربة رد الفعل أمام الكوارث، بتبني مقاربة استشرافية مندمجة، قادرة على إثبات فعاليتها ونجاعتها وقلة تكلفتها.

[email protected]

 

 

 

 

العلامات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X