نافذة على الإبداع.. لوك أوليفيه ميرسون والحفاظ على التقاليد
في بعض الأحيان تصبح حركات التجديد، أمثال الطليعية والحداثة وغيرها من المدارس التي تنبثق من فكرة التمرد على التقليدي والمحاكاة، هذه الحركات تصبح ذات جوانب تدميرية خطيرة قد تذهب بنا إلى أبعد الحدود لدرجة إفساد الذوق وتحميل الفن مضامينَ متردِّية لا تحتمل، هذا إلى جانب شق آخر شديد الأهمية وهو تضييع التقاليد الفنية العريقة والجور على الأكاديميات، ومن ثم إغفال العديد من المُعاصرين لهذه الحركات بحجة أنهم كلاسيكيون أو يخالفون عرف التمرد احترامًا منهم للتقاليد الأكاديمية، وهكذا يتم إغفالهُم بشكل مُتعمد وغير مقبول، ولو نظرنا إلى هؤلاء المحافظين على التقاليد الأكاديمية في أوقات انتشار الحركات الطليعية لوجدنا أنهم طوَّروا في مذاهبهم تطويرًا أكثر قيمة ونفعًا ورُقيًا، من الخزعبلات الطليعية التي تموت بالسكتة.
هذا مُدخل بسيط لعالم فنان ومُطوِّر وأستاذ من أساتذة جيلة الفنان الكبير لوك أوليفيه ميرسون وهو فنان نستطيع أن نطلق عليه فنان الفكرة العميقة والفن، من وجهة نظر شمولية فنَجِدُهُ مصممًا وفنانًا أكاديميًا وفنانًا نوعيًا أيضًا وهذا ما يجعلنا نؤكد أن ميرسون كان مدرسة قائمة بذاتها، على الرغم من انتمائه الفعلي للأكاديمية واتجاهه المنطقي ناحية الرمزية لكن علينا أن نقول: إن ميرسون كان فنانًا شاملًا، يقوم بأداء دوره في أي اتجاه يتحتم عليه العمل فيه، والحقيقة أن زيارتنا لمرسمه منذ فترة قريبة -في أكاديمية الفنون الجميلة في باريس- واطّلاعنا على أرشيف نادر لرسومات تحضيرية جعلنا نؤكد أنه لم يكن غير أحد أهم رواد الفن التشكيلي في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن العشرين، بل لا نبالغ إذا قلنا إن لوك أوليفيه ميرسون كان الأفضل على الإطلاق لسببين: أولهما أن ميرسون لم يكن فنانًا أكاديميًا جامدًا مثل العديد من رواد الأكاديمية بل كان مرنًا ومتوهجًا بالموهبة لكنه يحب أن يضع موهبته داخل إطار يسمو بالفن وهذا هو دأب الأكاديمية والمدارس الكلاسيكية المتأخرة.
والسبب الثاني في افتراضنا -أن ميرسون كان أهم رواد جيله على الإطلاق- أنه تماشى وحاجات السوق الفني من الناحية النوعية حيث قدم لنا مدرسة كاملة لأعمال نوعية مهمة، فقام بتصميم ورسم طوابع بريدية تُحسب ضمن أهم التصميمات في حركة التصميم في هذا المجال حيث صمم طوابع بريدية خاصة ببوستة موناكو، كما قام بتصميم أشهر الطوابع التي تداولتها البوستة الفرنسية في الإسكندرية بمصر على الإطلاق حتى أن التصميم الذي قدمه وتم تداوله بشكل واسع بعد ذلك يحمل إمضاءه كما يحمل كلمة تعريفية بالعربية وكانت العربية تظهر لأول مرة على طابع بريد فرنسي، والأهم من ذلك أن لوك أوليفيه ميرسون قام بتصميم مجموعة من العملات للبنك المركزي الفرنسي كانت نموذجًا في الجمال والإبداع.