كتاب الراية

تجربة حياة …. عندما تتقن لغة التخاطب مع النفس

كم هي جميلة تلك الوسيلة التخاطبية التي تتيح لأفكارنا أن تصيغ نفسها في قالب من العبارات والأحاديث، فتشكل بدورها هذا في حياتنا جسر عبورنا نحو التواصل والتفاعل مع العالم الخارجي، كي نعرف عن كياننا الشخصي، ونثبت كفاءتنا المعرفية، ونعبّر عن حاجاتنا ورغباتنا بكل وضوح ودقة. إنها اللغة.

إن الإنسان بطبيعته ككائن اجتماعي، يرغب دومًا بأن يبقى جزءًا من كُلّ، ساعيًا وبالحد الأدنى الذي لا يخالف قناعاته بأن يتوافق فيما يقوله وما يقوم به مع مُسلمات، مُعتقدات ومفاهيمِ الجماعة التي هو جزء منها (العائلة، العمل، المجتمع ، الدولة) وذلك تجنبًا للانتقاد والاستنكار، وخشية من الإحساس بالرفض والانعزال. والسبيل الأول في إطار هذا السعي، هو معرفة لغة الآخر فردًا ومجتمعًا، وإتقانها بالشكل والمعنى والأثر إلى حد المقدرة على إتقانها، والتحدث بها بما يخاطب الفكر والمشاعر بشكل إيجابي لا سلبي، ويترك في النفوس أثرًا جميلًا يجعل حضورَك مطلوبًا ومُرَحّبًا، ومن وجودك ودورك مرغوبًا ومحببًا.

وإن كان هذا ما يحققه إتقان اللغة على صعيد الصلة مع العالم الخارجي، فكيف سيكون عليه الأمر فيما لو أتقنّا لغة الحوار الداخلي مع أفكارنا، مع هواجسنا ومخاوفنا، مع عواطفنا، أي مع كل ما تحدثُنا به النفس…… !

إن لغة التخاطب مع النفس هي الغذاء الذي تختاره بإرادتك لتقديمه لما يدور في رأسك من أفكار وتصورات، ولما يختلج في رحاب وجدانك من أحاسيس ومشاعر، فلا يُحدث تغيُّرها مضمونًا، ولا يكون نموُّها أفعالًا، إلا من لدن المنافع والمضار التي يحتويهما هذا الغذاء. فهل نعي حقًا أثر ما نقدمه؟ هل هو صحي لها، وبالنتيجة لنا، أم هو غير صحي؟ كيف نستبدل عبارات اللوم وجلد الذات بعبارات التفهم والتحفيز؟ كيف نجعل حوارنا مع أنفسنا حوارًا إيجابيًا يجعلنا وإياها على وفاق وكأننا معًا جزءٌ وكلٌّ في الوقت ذاته.

إن كل واحد منا ينظر إلى الحياة من عدسة أفكاره وهذه الأفكار إنما تتشكل على المنحى الغالب من التجارب التي مررنا بها، من الكيفية التي تفاعلنا بها مع ما حملته لنا من فرص وما واجهتنا به من تحديات، فإن كانت اللغة الإيجابية هي الطابع الذي اتسم به هذا التفاعل، سوف تكون الإيجابية بشكل كبير هي مقياس رؤيتنا للأشياء وعلى أساس هذا المقياس سنتمكن من إعادة صياغة أفكارنا وتفصيل قراراتنا بالشكل الذي يجعل صعوبةَ الأمور أخفَّ وطأة وأقل تأثيرًا.

كثيرة هي الأفكار التي تراودنا في كل لحظة، ولكن يبقى أهمها تلك التي تخاطبنا في نظرتنا لأنفسنا، نظرتنا للعالم من حولنا، وما نعتقده حيال نظرة الآخرين نحونا. ما تحمله لنا تلك الأفكار هو من أدق ما ينبغي التوقف عنده ومعاينة مدى صوابيته نظرًا لتأثيرها الكبير على الكيفية التي ننطلق بها نحو الحياة. تلك الأفكار يفترض أن لا تؤخذ على مجملها على الإطلاق، بل يجب أن نتقن في تجاوبنا معها وفي حديثنا مع أنفسنا عنها، لغة من الحرص والتنبه أولًا لتفهم أسبابها ومن ثم لتبني ما هو حقيقي وواقعي منها فقط، محذوفًا منه كل مبالغة لما نتمتع به من نقاط قوة وكل تضخيم لما نعانيه من نقاط ضعف فتحقق بتلك اللغة والتوافق مع نفسك، والتقبل لأفكارك، دون تهرب أو معاناة وفي خلاصة الأمر تذكر أن أقل ما يمكنك أن تتقنه هو أن تتحدث مع نفسك باللغة التي تحب أن يحدثك بها الآخرون.

مدربة حياة – Life Coach

[email protected]

@ranasibai14

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X