كلمات.. السابعة والنصف صباحًا

في السابعة والنصف صباحًا، وعلى مدى يومين، هناك في ركن المقهى البعيد، قهوة ساخنة كانت على الطاولة، ورجل يبدو من ملامحه بأنه في عقده الثالث، يجلس وبين دفء كفيه كان يمكث كتاب، مشهد استفز مشاعر السعادة فبسطت أجنحتها في صدري، وحلقت بي عاليًا بين موجات من الغبطة، تفاقمت فشعّت نورًا وانشراحًا على محياي، عبثًا أملت أن أفضي إليه بابتهاجي لرؤيته يقرأ، فلم أجرؤ على قطع خلوته، وغرقه الهادئ بين ثنايا الصفحات، سحبت ورقة صغيرة من حقيبتي، كتبتُ فيها: شكرًا لأنك تقرأ ! شكرًا لأن هذا المنظر يُثلج قلبي، شكرًا لأنك ومِن غير أن تشعر تشارك بسلوك في إفشاء ثقافة القراءة، وتضرب المَثَل العطر في استثمار الوقت في شيء مفيد، وألف شكر لأنك تساهم في ارتقاء أمة !
إنه من المحزن أن نُقر بتراجع القراءة بين أبناء وطننا العربي، وذلك من خلال الدراسات والتقارير التي أجريت بهذا الشأن، وهذا مؤشر خطير يدعو إلى اتخاذ خطوات جادة نحو إعادة إحياء ذلك السلوك القيم، الذي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بتقدم الأمم وازدهارها، وتمكين الفرد منه، يعني تربية جيل مثقف تاريخيًا فيصون هويته، ومثقف معاصر قادر على حل مشكلاته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ونحوها، ومثقف استباقي أمين على مستقبله ومستقبل أجيال من بعده.
لقد أظهرت الإحصائيات أن الطفل الغربي يقرأ ما يزيد على 50 كتابًا في العام مقارنة بنظيره العربي الذي يقرأ بحدود 100 صفحة فقط، فمَن منا يهتم بإهداء طفله كتابًا؟! فيرسل رسالة للطفل بأهمية القراءة ! فكيف يمكن أن نستجيش جهود العائلة لاستنبات حب القراءة في أرض الطفل الخصبة بينما يظل منصرفًا في قضاء معظم أوقات فراغه بين الألعاب الإلكترونية؟ ولا أعني هنا بالضرورة إلغاءها، بل إيجاد مساحة للقراءة توازي ذلك الوقت المهدر في استهلاك تلك الأجهزة. ولا يمكن أن تتحمل الأسرة الجهد في ذلك، بل تأخذ المؤسسات التعليمية والثقافية والإعلامية على عاتقها تلك المسؤولية، وأن تتضافر الجهود في خلق جيل واع ومثقف.
إن الجمود واللامبالاة تجاه القراءة في عالمنا العربي ينذران بمغبة وخِيمة في المستقبل، كاندثار الموروث وجفاف في الإنتاج المعرفي وبالتالي انحسار القدرة على الإنتاج، والعجف في بزوغ أعلام العقول التي تساهم في التطور الفاعل في مختلف أوجه الحياة، أضف إلى ذلك قلة المكتبات ومؤسسات النشر التي يتضاءل عددها عامًا بعد عام، دون التصدي بشكل فاعل للتحديات التي تمر بها، وتقديم شتى أنواع الدعم لاستمراريتها… للحديث بقية.
دمتم بود