قطر وألمانيا.. شراكة ثنائية تفتح آفاقا اقتصادية واسعة أمام البلدين
الدوحة – قنا:
تكتسب الزيارة الرسمية لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، إلى العاصمة الألمانية برلين، طابعا خاصا، وتحظى بدرجة عالية من التقدير والأهمية، كونها تترجم في المقام الأول العلاقات الثنائية المتينة بين البلدين الصديقين.
وتأتي هذه الزيارة في ظل ما تشهده المنطقة من منعطفات وأحداث كبيرة، ستؤثر بلا شك على الواقع الاقتصادي العالمي، الذي يعاني من ضعف وتراجع في معدلات النمو، وتضخم غير مسبوق، صاحبه ارتفاع مستمر في أسعار الفائدة، وغيرها من التطورات، الناجمة عن توقف سلاسل الإمداد، نتيجة الحرب الأوكرانية – الروسية، وسط تخوف من تدهور الأوضاع بالشرق الأوسط، وانزلاقها لمنعطف خطير، نتيجة الحرب الإسرائيلية المعلنة ضد قطاع غزة.
وستعزز هذه الزيارة من فرص الشراكة الثنائية، وستفتح أبوابا وآفاقا واسعة لمزيد من التعاون في مختلف المجالات التجارية والاقتصادية، كون برلين أحد أكبر الشركاء التجاريين لدولة قطر، مما سينعكس إيجابا على قطاعات الأعمال في البلدين، اللذين يرتبطان بعدد من الاتفاقيات الاقتصادية ومذكرات التفاهم، كحماية وتشجيع الاستثمارات المتبادلة، وأخرى في المجالات الصناعية والتجارية والطيران المدني والنقل الجوي، مدعومة بلجنة مشتركة للتعاون الاقتصادي، عقدت العديد من الدورات على مدى السنوات الماضية.
وقد دأبت هذه اللجنة على دعم التعاون، وتأكيد الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، وتوسيع دائرة العلاقات الثنائية، وتعزيزها بشراكات طويلة الأمد، فضلا عن الترحيب بمبادرات القطاع الخاص لتعميق هذه العلاقات، وتوظيف الاستثمارات الثنائية لصالح التنمية المنشودة.
وساهمت اللجنة بشكل كبير في اتخاذ الخطوات اللازمة للمضي قدما في توطيد التعاون التجاري والاستثماري، بهدف زيادة معدلاته، وتيسير تدفق السلع والخدمات البينية.
وترجمة لهذه التوجهات، سعت دولة قطر وجمهورية ألمانيا، خلال العشر سنوات الماضية، إلى زيادة وتيرة اللقاءات على كافة الصعد والمستويات، وتطوير قنوات استكشاف الفرص المتاحة في القطاعات الحيوية المهمة، وتفعيل دور القطاع الخاص.
وقد شكل منتدى قطر وألمانيا للأعمال والاستثمار، الذي احتضنت فعالياته في عام 2018، بالعاصمة برلين، محطة هامة في سياق تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين، وهو ما بات يلمسه الجميع على أرض الواقع، خاصة على صعيد القطاع الخاص، والتعاون في مجالات الطاقة والطاقة النظيفة وغيرها.
وفيما يخص العلاقات التجارية مع جمهورية ألمانيا الاتحادية، بلغت التجارة البينية 6.8 مليار ريال في العام 2022.. وعلى الصعيد الاستثماري، فإن السوق القطرية تعتبر جاذبة للشركات الألمانية وهنالك العديد من الفرص في مختلف القطاعات الاقتصادية خصوصا ما يتعلق بالصناعات التي تعتمد على التكنولوجيا المتقدمة.
وتوجد أكثر من 300 شركة ألمانية تعمل حاليا في السوق القطري في قطاعات متنوعة كالتجارة والمقاولات والخدمات والشحن والأجهزة والمعدات الطبية وغيرها، إضافة إلى مشاركة شركات ألمانية في المشاريع الخاصة بالبنية التحتية وكذلك في مشاريع المونديال.
وفي مقابل ذلك، تعد ألمانيا وجهة رئيسية للاستثمارات القطرية في القارة الأوروبية، حيث يبلغ حجم استثمارات الدولة فيها نحو 25 مليار يورو، وتشمل صناعة السيارات والاتصالات والضيافة والخدمات المصرفية وغيرها من القطاعات المهمة.
وتمتلك دولة قطر حصصا في أهم المجموعات التجارية والمصرفية، حيث تعد أكبر مساهم في مجموعة فولكس فاغن العملاقة لصناعة السيارات، بحصة تبلغ قيمتها 9 مليارات دولار أمريكي، وكذلك في سيمنز وغيرها من الشركات الألمانية العاملة في مجال التكنولوجيا والشحن وصناعة الأدوية.
وتعتبر مجموعة فولكس فاغن واحدة من أكبر شركات صنع السيارات في العالم. وتمتلك شركة صناعة السيارات الألمانية مجموعة كاملة من العلامات التجارية، بعضها أسماء مألوفة، والبعض الآخر أقل شهرة.
ويقع المقر الرئيسي للمجموعة في فولفسبورغ بألمانيا، لكن العديد من علاماتها التجارية تركز عملياتها في مكان آخر، بينما ترفع تقاريرها إلى المقر الرئيسي. وتشتهر مجموعة فولكس فاغن بصناعة سيارات الركاب، لكنها تمتلك أيضا ماركات الشاحنات الثقيلة MAN وScania، والتي كانت الأخيرة جزءا من الشركة التي صنعت أيضا سيارات Saab، بالإضافة إلى دراجات Ducati النارية، التي تملكها Audi عبر Lamborghini.
وفي السياق ذاته، تمتلك قطر حصة تبلغ 21 بالمئة في شركة سيمنز وهي شركة متخصصة في الهندسة والإلكترونيات والأجهزة الكهربائية الطبية، تأسست في الأصل في عام 1847 كشركة هندسة كهربائية أنتجت التلغراف الكهربائي.
وخلال القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين، استحوذت شركة سيمنز على العديد من الشركات الأخرى واندمجت معها لزيادة قدراتها، وتوسيع تخصصاتها في مختلف القطاعات التي تعمل فيها اليوم، بما في ذلك الصناعة والطاقة، والرعاية الصحية، والبنية التحتية.
ويعود التعامل بين سيمينز للطاقة ودولة قطر إلى 50 عاما مضت، وعمل الجانبان معا في العديد من المشروعات الكبرى كمشروعات البنية التحتية الجديدة في الدولة، وغيرها من المشروعات المتنوعة.
ويتعامل جهاز قطر للاستثمار مع العديد من الشركات الألمانية لرغبته في تنويع محفظته الاستثمارية وخاصة في القطاعات الجديدة، ولا تقتصر استثمارات الجهاز فقط على شركات العاملة في القطاع الصناعي والتكنولوجيا، بل امتد إلى قطاع الشحن من خلال الاستثمار في شركة هاباج لويد إحدى أكبر شركات الشحن في العالم، حيث يعود الاستثمار فيها إلى عام 2016.
وتحتل شركة الشحن الألمانية المرتبة الخامسة على مستوى العالم، وكخط حاويات تشغل حوالي 250 سفينة عبر أكثر من 100 خدمة حول العالم، وتنقل نحو 12 مليون وحدة مكافئة لعشرين قدما سنويا، ولديها مكاتب في نحو 130 دولة، وتوظف حوالي 15 ألف شخص.
والوحدة المكافئة لعشرين قدم، هي وحدة معيارية للحاويات، تستخدم لقياس كمية البضائع المشحونة التي تحمل عادة على شكل حاويات على سفن الحاويات أو شاحنات النقل.
كما تمتلك قطر حصة في شركة “هوكتيف” وهي شركة إنشاءات ألمانية مقرها إسن، شمال الراين-وستفاليا، وتعد أكبر شركة إنشاءات في البلاد وتعمل على النطاق العالمي، وتحتل الترتيب الأول بين كبرى شركات الإنشاءات العامة في الولايات المتحدة من خلال فرعها ترنر، وفي أستراليا عن طريق أسهمها في CIMIC Group.
كما يشمل التعاون القطري الألماني قطاع الغاز حيث وقعت قطر للطاقة اتفاقا مع شركة “كونوكو فيليبس” لتصدير الغاز المسال إلى ألمانيا لمدة 15 عاما بدءا من عام 2026.
وسيوفر الاتفاق لألمانيا مليوني طن من الغاز المسال سنويا، تصل من راس لفان في قطر إلى محطة الغاز المسال شمالي ألمانيا.
وسيتم تزويد ألمانيا بالغاز المسال من مشروعي توسعة إنتاج الغاز الطبيعي المسال في حقل الشمال الشرقي وحقل الشمال الجنوبي.
وما من شك أن هذا التطور والتكامل في العلاقات الاقتصادية بين دولة قطر وألمانيا وتناميها خلال السنوات الماضية، وتوسعها في قطاعات عدة، يعكس بعمق متانة العلاقات القطرية الألمانية، مما يدفع إلى مزيد من التعاون وتحقيق المزيد من التكامل المفضي إلى ترسيخ الشراكة التي تعزز التطلعات التنموية للبلدين.