ظهر تعبير مجتمع المعرفة في نهاية الستينيات من القرن العشرين، وكان المقصود به أن الثروة الحقيقية لدولة معينة تتوقف على طاقتها في إنتاج المعارف وتبادلها وتحويلها وليس فقط على ثرواتها الطبيعية أو إنتاجها المواد المُصنعة، وكثيرًا ما يترادف مصطلح «مجتمع المعلومات» مع «مجتمع المعرفة» على الرغم من وجود اختلافات – تكاد توصف بأنها جوهرية- بينهما فنجد أن المصطلح الأول ينحاز إلى الجانب التقني، متمثلًا بصورة أساسية في شبكات الاتصالات والبنى الأساسية، أما المصطلح الثاني فهو يشير إلى استخدام المعرفة كأهم مورد للتنمية، ويتمحور حول بناء القدرات لاستغلال موارد المعلومات بصورة فعالة، وهو أمر يتطلب النظر إلى عملية اكتساب المعرفة كدورة متكاملة.
ومن هنا ندرك أن مجتمع المعرفة مُعرّف على أنه مجتمع يعتمد في تطوره ونموه بصورة رئيسة على المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات، أي أنه يعتمد على ما يسميه البعض بالتكنولوجيا الفكرية، تلك التكنولوجيا التي تضم سلعًا وخدمات جديدة مع التزايد المُستمر للقوة العاملة المعلوماتية التي تقوم بإنتاج وتجهيز ومعالجة ونشر وتوزيع وتسويق هذه السلع والخدمات، كما أن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من شأنها أن تساهم في تعزيز التنمية من خلال مُساهمتها في تطوير الأداء وتحسين نوعية الخدمات في كافة المجالات الاجتماعية، وكذلك في المشاركة ونشر المعرفة والوعي وتحقيق النمو الاقتصادي، والانفتاح على الأسواق العالمية، وتطبيق الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، إلا أنها في المُقابل، يمكن لها أن تزيد التفاوت في الدخل، وتوسع الفجوة بين الدول.
لذلك ستجد أن المعرفة لا تنشأ من فراغ، بل هي وليدة عوامل اجتماعية ثقافية تاريخية تؤثر في بناء المجتمع معرفيًا، وقدرته على إنتاج المعرفة وتوظيفها بكفاءة في جميع نشاطاته للارتقاء بمستوى الإنسان وإيصاله إلى مرحلة العطاء الكفء، من جانب آخر، تعد صناعة المعلومات من أهم المُؤشرات الحيوية على الوعي المعلوماتي في أي دولة من دول العالم الحديث والمُعاصر، إذ يُقاس تقدم الأمم بمدى قدرتها على جمع المعلومات وتنظيمها ومعالجتها وإخراجها في قالب يخدم الفئات المُستهدفة على كافة الصُعد، وتتأكد أهمية هذه الصناعة في هذا العصر الذي يطلق عليه (عصر المعلومات) حيث تزداد الحاجة إلى التوظيف الأمثل للمعلومة من خلال إنتاجها وتجهيزها وتسويقها بشكل يلبي احتياجات المُستفيدين، وخلاصة قول ما سبق أن التنمية البشرية المُستدامة لها علاقة لصيقة بالتعليم وتعزيز القدرات البشرية بتطور المجتمع المدني الحديث والمعاصر.
Instegram: @rqebaisi
Email: [email protected]