ما تدعو له أجراس طوفان الأقصى

بقلم /د. علي محمد فخرو
هناك أحداثٌ ومواقفُ تكشفُ وتفصل الحقَّ عن الباطل والزيفَ عن الحقيقة، وترفع عن الوجوه أقنعة الكذب. هذا ما أظهرته سيرورة بطولات «طوفان الأقصى» وجنون وجرائم ردود الأفعال الإسرائيلية ومسانديها من دول الغرب الاستعمارية ومن بعض العرب المَخدوعين.
فأولًا: تبيّن أن كل رذيلة أخلاقية مارسها الإعلام الغربي في تعامله مع تقييم الصراع في أوكرانيا، كذبًا وخلطًا لأنصاف الحقائق، وسكبًا لدموع التماسيح، ورفعًا لشعارات انتهازية لتجهيل مواطنيهم بما حدث ويحدث في الواقع الأوكراني، عاد هذا الإعلام ومارسه بكل حذافيره وتلاعباته في المشهد الفلسطيني. فمثلًا: اعتبر أن أخذ ولد إسرائيلي رهينةً وإخفاءه في مكان آمن في غزة جريمة إنسانية تدل على حيوانية ودموية المُناضل الفلسطيني -وبالتالي العربي- أمَّا موتُ وتشويه وحرق مئات الأطفال الفلسطينيين تحت أنقاض مئات المباني في غزة المُحاصرة فهو دفاع عن النفس مُبرَّر في عيون هذا الإعلام الذي لا يتعبُ ولا يملُّ عبر القرون من مُمارسة الكذب والتلاعب بالألفاظ من أجل خدمة مُمَوّلية ومُوجّهية من أصحاب المال والجاه والنفوذ. وقِس على ذلك في تعامل هذا الإعلام مع عشرات ألوف جرائم القتل والتهجير التي ارتُكبت في فلسطين المُحتلة عبر خمس وسبعين سنة، ووصلت قمتها في غزة المُدمرة المُجوَّعة المُحاصَرة. لسنا وحدَنا الذين نقولُ ذلك، إذ إن ألوف الكتّاب الغربيين المُنصفين الشرفاء قد كتبوا ألوف الكتب عن هذه الظاهرة المسلكية الانحيازية غير الأخلاقية، في ساحات إعلامهم وفي تصرفات حكوماتهم وبرلماناتهم ذات الوجهين المتناقضين.
وكمثل مُخجل آخر: ما سمعناه منذ بضعة أيام من فم وزيرة الداخلية البريطانية ورئيسها بأن رفع العلم الفلسطيني جريمة سيُعاقب عليها بالحبس خمس سنوات، أو ما ظل يردده المسؤولون الفرنسيون من أن انتقاد ما تقوم به إسرائيل في غزة المُحاصرة من حرق للأرض ومن عليها سيعتبر مُعاداة للسامية، والتي هي الجهات ذاتها التي لا تبقي كلمة تحقير للإسلام والمسلمين إلا وترددها ليلَ نهار تُجاه حوادث فردية لا يقبل بها الإسلام ولا المسلمون.
وثانيًا: اتضح أنه ما لم تعد أنظمة الحكم العربية إلى أساس المأساة الفلسطينية، في حدِّها الأدنى على الأقل، والتي تمثَّلت في المُبادرة العربية التي أقرتها جامعة الدول العربية منذ ربع قرن بطلبٍ من الشقيقة المملكة العربية السعودية آنذاك، فإننا جميعًا سنظل ندورُ في حلقات مُفرغة حسبما يقررُه هذا القُطر العربيّ أو ذاك، أو الاحتلال الإسرائيلي من تلاعبات وأكاذيب وحِيل شيطانية، وحسبما يتلاعب به عرّابُه الأمريكي، مهما كان الحزب الذي يحكمُه ومهما كان الرئيس الذي يقوده.
ما زال -لو وُجدت الشجاعة ووُجد الكبرياء ووُجدت الأريحية تُجاه شعب فلسطين العربي وتُجاه هذه الأمة المَهينة- بالإمكان الدعوة لعقد قمة عربية تقولها بصوت عال بأن جميع أنظمة الحكم العربية لن تقبل على الإطلاق إلا بالمبادرة العربية بكل تفاصيلها، وأنها دون تحقيقها التام الكامل ستوقف كل خطوات الاتصالات والعلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي. هذا هو الحد الأدنى الذي يُمكن أن تقبله الشعوب العربية كاستراتيجية عربية مؤقتة، إلى أن تحين ساعةُ تحرير الأرض العربية من كل وجود إسرائيلي ، طال الزمن أو قصر. وثالثًا، يبقى الموضوع الأساسي الذي آن أوان التعامل معه بجدّية تامة وبعيدًا عن بلادات وسخافات الماضي. الموضوع يتلخص في هذه الخطوة: ضرورة تنادي مجموعة من الأحزاب العربية والنقابات واتحادات الجمعيات المهنية وحقوق الإنسان والجمعيات النسائية والأهلية وعدد من الأفراد الناشطين في ساحات النضال القومي كمفكرين أو قادة أو مناضلين.. تنادي هذه المجموعة العربية في الحال لتكوين نواة كتلة تاريخية تضامنية تنسيقية -في حدّها الأدنى- من أجل الموضوع الفلسطيني حاليًا، ومن أجل بناء تيار كبير يتبنى استراتيجية المساهمة الفاعلة المستمرة في الواقع العربي برُمته مُستقبلًا، وذلك من أجل إخراج هذه الأمة من الجحيم الذي تعيشه، ومن الإذلال الاستعماري وإسرائيلي الذي يتلاعب بها، ومن التمزق الذي أصاب آمال هذه الأمة في وحدتها وتحررها، ودخولها كمساهم فاعل في خِضم هذا العصر وتطوراته.
هذا الوضع الذي قاد إلى أن يتلاعب كل من هبَّ ودبَّ بهذه الأمة، ونراه يوميًا في بكاء أطفال ونساء وشيوخ هذه الأمة وفي قتل وسجن شبابها أصبح عارًا يكلّل جبين الجميع دون استثناء وأصبح من مسؤوليات الجميع. أجراس طوفان الأقصى يجب أن يسمعَها الجميع، ويستجيب لدعوتها الجميع، وتكون إنهاء لفترة تِيه وضعف وهوان وذل دخلتها الأمة في الخمسين سنة الماضية وآن أوان الخروج منها.