تجربة حياة.. قوة العادة وأثرها في تشكيل أنماط الحياة
هل اتخذتَ يومًا قرارًا ما ومِن ثَمَّ وجدتَ نفسَك تفعل عكس ما يقتضيه تنفيذه؟ هل قررتَ أن تُصحّح نمطًا من أنماط تفكير أو تصرُف أعتدتَ القيامَ به، إلا أنك لم تلبَث وعُدتَ إليه؟ هل دفعكَ هذا الاتجاهُ المُعاكس بين ما تقرره وما تقوم به إلى التوقّف لمعرفة ما يعيق وصولك؟ هل حاولتَ أن تتعرفَ مِن كثب على هذا العائق لتعرفَ مقدار قوته وحجم تأثيره؟ هل أمسكتَ بلجامِه في موقفٍ ما، فحاولتَ ترويضَه رغم قوة تحكمه وتلقائية تحركه؟ إنها العاداتُ، من يلعبُ بكل صمت الدورَ الأكبرَ في تشكيل منهجية التفاعل ما بين فعل ورد فعل، ولها يعود النصيب الأكبر في تحديد نمط الحياة ككل.
إن العادة هي ما يُولد من رحم التكرار حد التثبت والتلقائية، هذا التثبت بالوجود والتلقائية في الظهور، يخلقان في العقل منطقة خاصة بكل عادة من العادات، تتوافر فيها أنماط التفكير وأشكال التصرف وطرق التفاعل كحزمة مُعلبة تتيح لنفسها أن تنطلق بمكنوناتها دون جهد في المواقف المشابهة، ودون الحاجة لاستدعاء دور كبير للعقل من أجل الوعي بها و التحقق من مدى صحتها أو للبحث عن الحلول في كل مرة من المرّات. وهنا تتسلم العادةُ فعليًا زمامَ القيادة.
تمثل العادات في حياتنا قوة صامتة لا تحتاج كي تظهر لأي إذن يجعلنا في كل مرة وعند كل حالة نستوقفها لنُدقق فيها ونتفحصها، هي تسير بنا على تلقائيتها وبدون مجهود كبير، حتى إذا بلغنا معها النتائج التي نطلبها توثقت في كياننا أكثر فأكثر، وإذا لم نبلغها يكون اللومُ في الأغلب إما على القدر، وإما على قصور الجهد المبذول، وقلّما نلتفتُ إلى الدور الذي ساهمت فيه عاداتُنا فيما حدث بما يخالف المقاصد والتطلعات.
العادات هي ما يمكننا أن نركن إليه بالممارسة حتى نغيّر من طباعنا ما يحتاج إلى تغيير، وفي الوقت ذاته هي ما يجعلُنا نبقى حيث نحن دون أي أفق للتغيير فيما لو استمرت على حالها دون أية مراجعة أو تدقيق من شأنه أن يُسهم في زيادة الوعي بالجانب السيّئ منها حتى نعمل عليه للأحسن.
وأقوى العادات وأشدها تأثيرًا هي تلك التي تلامس فينا شعورًا بالسعادة، بالفرح، بالاستمتاع، بالراحة، وغيرها من المشاعر الجميلة التي تجعلنا نستسلم بسهولة لوجودها ونمارسها دون وعي حتى تصبح أقوى فأقوى، متغافلين عن مدى جدواها في حياتنا وعن الأثر السلبي الذي تتركه فينا سواء على الصعيد الشخصي أو على الصعيد الاجتماعي، كعادة التأجيل في إنجاز المهام أو القيام بما ينبغي من مسؤوليات، نعم هي تضعنا في حالة من الراحة وعدم بذل المجهود ولكن إلى متى؟ وهل -من بعد هذا التأجيل والتراكم الذي يُسببه- ستكون المهامُ قد أصبحت أصعبَ وتتطلبُ مجهودًا أكبر أم أسهل؟
العادات التي نمارسها في حياتنا على مختلف الصُعد، تحتاجُ من وقت لآخر إلى وقفة تأمل ومراجعة، لأنها الصورة الأولى التي نظهر بها بكل تلقائية أمام أنفسنا وأمام العالم سواء في مقاربتنا لما يواجهُنا من أمور ومواقف، أو للكيفية التي نعبّر فيها عن أفعالنا وعن ردود الفعل، فنحاول بمراجعتنا أن نعيَ ما هو الجيد منها في تشكيل أنماط حياتنا على النحو الأفضل فنعمل على صقله وما لا يحقق لنا أي نفع على المدى البعيد، مهما كان ما يصلنا منه من سعادة واستمتاع، مُغريًا فنحاول التخلُّص منه.
مدربة حياة – Life Coach