همسات قانونية.. البُطلان النسبي

لا ريبَ أنّ المشرّع دائمًا ما يَسعى نحو حماية المصالحِ العامة والخاصة على السواء، ويتجلّى هذا السعي منْ جانبِ المشرّع في مجالِ العقود المدنية، حيثُ يُحاول المشرّع جاهدًا مراعاة حقوق ومصالح أطراف العلاقة العقدية، ولذلكَ قررَ المشرّع جزاء البطلان سواء المُطلق أو النسبي، منْ أجلِ توفير أكبر قدر منْ الحمايةِ لتلكَ الحقوق، ويُعرف البطلان بأنهُ انعدام العقد وسقوط آثاره، ويُسمى البطلان النسبي بهذا الاسم لاقتصار آثاره على شخصٍ معين وفي نطاقٍ مُحدد، وهو ما نصتْ عليه المادة (158) من القانون المدني رقم 22 لسنة 2004. ويتميزُ البطلان النسبي بإمكانية إجازته ممنْ تَقررَ البطلان لمصلحته، فبإجازتهِ يُصبح العقد القابل للإبطال صحيحًا وساريًا ومنتجًا لآثارهِ ومُلزمًا لأطرافه، ولمْ يَشترط القانون صورة معينة في الإجازة؛ فيجوز أنْ تكون صريحة أو ضمنية، وتُعتبر صريحة إذا كانتْ كتابية أو شفاهية، وتعتبر الإجازة نافذة بالنسبةِ لسببِ البطلان الذي أجازهُ صاحب الشأن، ومنْ ثمَّ فإنَّ ظهور سبب آخر للبطلان يُبيح لصاحبِ الحق التمسك بهِ رغم سبق إجازته لسببٍ آخر، وهو ما قضتْ بهِ المادة (160) من القانون المدني. ومنْ أهمِ ما يتميز بهِ البطلان النسبي أنهُ لا يجوز التمسك بهِ من غيرِ منْ تقررَ البطلان لمصلحته، إذْ نَصَّتْ المادة (159) على قصر حق طلب إبطال العقد على الشخصِ الذي تقررَ الإبطال لمصلحته، ومنْ ثمَّ فلا يحق لغيرهِ التمسك بهِ حتى ولو كانتْ لهُ مصلحة في ذلك، أمَّا عنْ المادة (162) فقدْ أجازتْ لصاحبِ المصلحة في إبطالِ العقد أنْ ينذر منْ تقررَ الإبطال لمصلحته بقيامِ حقه في إبطال العقد، وضرورة إبداء رغبته في إجازة العقد أو إبطاله، ولا يؤثر هذا الإنذار على مُددِ السقوط، كما أنهُ غير مُلزِم لصاحبِ الحق في الإبطال، أي يجوز لهُ تجاهله، فإذا تَسَلَّمَ الإنذار بشخصهِ فإنَّ عدم إبداء رغبته في إبطال العقد تعتبر إجازة ضمنية. وقدْ حددتْ المادة (161) من القانونِ المدني مدة تقادم الحق في التمسكِ بإبطالِ العقد بثلاثِ سنوات تبدأ منْ تاريخِ العلم بوجود الغلط أو التدليس إذا كانَ أحدهما أو كلاهما السبب في قابليةِ العقد للإبطال، أو من تاريخِ بلوغ ناقص الأهلية السن القانونية إذا كانَ لمْ يبلغه، فإنْ كانَ سبب القابلية للإبطال هو الإكراه فإنَّ مدة الثلاث سنوات يبدأ سريانها منْ تاريخِ زوال الإكراه الواقع على المتعاقد، وفي جميعِ الأحوال يَسقط الحق في التمسكِ بالبطلانِ النسبي بمرور خمس عشرة سنة تبدأ من تاريخ إبرام العقد، وذلكَ لأنَّ مرور هذه المدة الزمنية الطويلة دون اكتشاف سبب البطلان أو التمسك بهِ يسقط الحق في التمسكِ به، إذْ تتجلى مصلحة أولى بالرعايةِ وهي حِفظ استقرار الأوضاع والمعاملات المدنية.