كتاب الراية

حديث الاقتصاد.. استدامة النمو الاقتصادي

في «اقتصاديات» الأربعاء الماضي، أوضحنا مفاهيم ودِلالات الاستدامة في البيئة والاقتصاد والمُجتمع، واليوم نُردفها بمفهوم آخر أساسي مُرتبط عضويًا بتلك المفاهيم، ألا وهو استدامة النمو أو النمو الاقتصادي المُستدام – كلا الاصطلاحين لذات المعنى – فهو واضح وجليّ من تسميته، إنه آلية نمو اقتصادي تستديم بالاستدامة الاقتصادية والبيئية والاجتماعية مُتضافرة ومُتزامنة كسيمفونية مُتكاملة مُتناغمة لا نشاز فيها على الإطلاق. هذا النمو يهدف إلى تحقيق تنمية اقتصادية حقيقية شاملة دون الإضرار بالبيئة ودون تجاهل فئات المُجتمع الضعيفة. «فهو يسعى إلى تلبية احتياجات الأجيال الحالية قاطبة، ولكن دون المساس بقدرة الأجيال المُستقبلية على تلبية احتياجاتها». ذلك هو المبدأ المُتفق عليه ومحل اعتماد رسمي لدى أدبيات الأمم المُتحدة والدول الصناعية المُتقدمة على السواء.
وعلى الرغم من بَدء التوجّه تدريجيًا نحو تطبيق تلك المفاهيم الحديثة لدى الدول النامية والناشئة على السواء، ما زال الوضع يختلف نسبيًا فيما بينها، وبدرجات مُختلفة باختلاف الإمكانات المادية ودرجة التقدم العلمي والتكنولوجي والإنجاز الفعلي لتنمية قطاعات الاقتصاد والبيئة والمُجتمع، لأنها تُشكل المثلث الأساس للتنمية الشاملة المُستدامة والنمو الاقتصادي المُستدام.. تُرى ما هي مبادئ النمو الاقتصادي المُستدام التي تحتاجها الدول النامية عبر سعيها الحثيث لتحقيق استدامة نموها الاقتصادي؟
أهم العناصر التي تُميّز النمو الاقتصادي المُستدام عن غيره من أشكال النمو هي: أن فوائده الاجتماعية تشمل كافة فئات المجتمع، ويجنبها التباين الواسع فيما بينها سواء في الدخل (دون مُبرر اقتصادي طبعًا) أو في مبدأ تكافؤ الفرص الاقتصادية العادلة للجميع، لذلك فهو يستوجب تطبيق الشفافية في صنع القرارات ومشاركة أفراد المُجتمع بكل أطيافه في صنعها وتقريرها. على صعيد آخر، يُشجع هذا النمو المستدام – دائمًا وأبدًا – على الاستثمار في البحث والتطوير والابتكار والإبداع لأجل تحقيق زيادة الإنتاجية والكفاءة والاحترافية العالية، وهذا بالطبع لا يتأتى له سوى عن طريق التعليم والتعلم المُستمر، والتدريب المهني النوعي المتواصل قبل وأثناء العمل، ناهيك عن التوعية وتوجيه المُجتمع لنهج سلوكيات إنتاجية واستهلاكية مُستدامة.
النمو الاقتصادي المُستدام عزيزي القارئ يستلزم – بلا أدنى شك – الاستهلاك المُستدام الرشيد للموارد الطبيعية من هواء وتربة ومياه وأراضٍ وبحور وخلجان وشواطئ، وعليه، فهو يحث على صيانة وحماية البيئة من الانبعاثات الغازية الضارة وعلى رأسها الميثان وثاني أكسيد الكربون. من هذا المُنطلق فإن النمو الاقتصادي المُستدام يستوجب تقييم وتحليل الآثار البيئية والاجتماعية لكافة المشاريع الاقتصادية للحدّ من آثارها السلبية، سواء التي تم تنفيذها لمُعالجتها أو قيد التنفيذ حاليًا لاستدراكها أو تلك المُتوقع إدراجها في خطط وموازنات السنوات المالية القادمة، لأجل تفاديها وتفادي هدر المال العام كنتيجة لها.
نخلُص مما سبق، إلى أن النمو الاقتصادي المُستدام فيما لو تحقق بكل مبادئه ومعاييره في أي بلد كان، فإنه سيوفّر الازدهار الشامل للمُجتمع، ويضمن ترقية جودة الحياة لأفراده، ويُفعّل آلية استدامة النمو للأجيال الحاضرة والقادمة سواء بسواء، بدون تقديم تضحيات بيئية أو اجتماعية يرفضها المُجتمع.

خبير اقتصادي

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X