بقلم/ إيمان نبيل خنفر:

كم من لوحات فنية أسَرَتنا بجمالها، وجعلتنا نرجع بذاكرتنا إلى مواقف حقيقية جميلة مررنا بها كالسفر إلى مكان جميل ومبهر أو الذهاب إلى نزهة مع الأهل والأصحاب، أو ربما قد تذكرنا بلوحة قد رسمناها بالطفولة تشبه ملامحها تلك الرسمة التي شاهدناها في معرض الفنون أو التلفاز. التفسير لذلك أننا نفسر ونشرح القطع الفنية واللوحات تبعًا لقصصنا نحن، وتبعنا لتفكيرنا نحن، وليس تبعًا لما تقوله اللوحة، فكم من قطعةٍ فنيةٍ كانت تفتقر إلى الألوان أو المعنى البصري الصريح، ولكنها أبهرتنا، لأنها أيقظت شيئًا بداخلنا وجعلتنا نرجع إلى الوراء بخيالنا ونستذكر قصصًا قديمةً بجمالها وحيويتها.

على الرغم من أن تفسير اللوحات والقطع الفنية قد يعتمد اعتمادًا كبيرًا من وجهة نظري على المتلقي وخياله، فذلك لا يتعارض مع حقيقة أنه يجب على الرسام أو الفنان أن تكون لديه مرجعية عند إمساكه بالقلم والورقة ليرسُم، أو بالأحرى فلسفة تعبر عن ما بالرسمة أو القطعة الفنية. وهذا، في نظري، من الاختلافات الواضحة بين العلوم والفنون. فعلى الرغم من وجود مرجعية فلسفية للعلوم -كما في الفن- فإن المجالات العلمية التطبيقية التي تسعى إلى إيجاد حلول عملية للمشاكل الطبيعية كالمشاكل البيئية وغيرها تحتم على العلوم والعلماء الرجوع إلى البحوث والحلول العملية والتطبيقات المخبرية لإيجاد الحلول. أما في الفن، فالخيالُ هو المصدر الأساسي للفن، إلى جانب الحاجة المُلحة للمرجعية أو الفلسفة التي يجب أن يستند عليها الإبداع لكي يجد تعريفًا وهُويةً له، فالإبداع دون الهُوية والفلسفة، كالجسد بلا روح.

وهذا أيضًا ينطبق على الكتابة الإبداعية، فتخيل أن تقرأ قصة خاليةً من الحوار، الثقافة، المرجعية الدينية، المرجعية العلمية، وكذلك خالية من الوصف الدقيق الذي يصنع من القصة فيلمًا مرئيًا واضحًا للقارئ. فلا أرى تلك القصة إلا أن تكون كالإناء الخاوي الذي لا يُسمن ولا يُغني من جوع.