عن شيء ما .. همومنا وهموم الآخرين

لكل منا «همٌّ» أو مشكلة يعتقد أنها بحجم العالم بأسره، لكن همومَنا أيًا كانت باتت تصغر أمام المشهد الإنساني لما يحدث في حرب غزة، ترى هل الهموم والمصائب أيضًا نسبية وتختلف من مجتمع لآخر؟
يبدو أنّ هنالك فرقًا كبيرًا بين هموم الإنسان في الدول العربية وهموم البشر الآخرين في دول أخرى تصنف من «العالم الأول» ، إذ إن مشهد بكاء أطفال غزة وصرخات آبائهم وأمهاتهم، بل ودعواتهم وأمانيهم التي لا تتجاوز في أحسن الأحوال الحياة بحرية وكرامة يفضح المسافة التي تفصل بيننا وبينهم.
نجدنا في العالم العربي مهمومين بقضايا وأزمات تبحث عن حل أو مخرج منذ عقود مضت، في حين أن همومهم السياسية تنحصر في التمتع بما حصلوا عليه من حريات، والمشاركة في اتخاذ القرارات وممارسة الحقوق قبل أداء الواجبات.
أما اقتصاديًا فهمومنا لا تنتهي، نحن من يستهلك ويعتمد على الآخرين في كل شيء، وهمنا الأعظم هو البحث عن لقمة العيش، بينما همومهم الاقتصادية حلقت إلى آفاق بعيدة لتطوير الإنتاج والتخلي عن الصناعات ذات التلوث العالي لصالح الدول النامية والمتخلفة.
ثقافيًا، لا يزال المجتمع العربي يبحث عن وسائل لمحو أمية القراءة والكتابة، ومحاربة الجهل والتطرف، أما العالم بأسره فيتحدث عن محو أمية إتقان اللغات والتعامل مع الكمبيوتر وشبكات المعلومات والاستفادة من التقنيات الحديثة.
ومن الناحيتين الاجتماعية والصحية يتضخم الفارق لنجد أن همومنا تدور حول مشاكل الحياة اليومية، ازدحام، بطالة، مشكلات الزواج والطلاق، وتوفير الحد الأدنى من الاحتياجات والخدمات. أما همومهم الاجتماعية، فباتت تدور حول زيادة عمر الإنسان، وتوفير المُناخ الاجتماعي الملائم للنجاح والإبداع وممارسة الهوايات.
نعم، فرق كبير لكنه يصبح أكبر وأكبر حين نشاهد بعض دولنا العربية ترزح تحت وطأة الحرمان والحروب تستجدي أبسط حقوقها واحتياجاتها،، يصبح المشهد صارخًا أكثر وأكثر حين نشاهد أطفال غزة يتحدثون عن أحلامهم التي لا تتجاوز فك الحصار والحصول على الطعام أو رؤية ذويهم ممن استشهدوا! في حين أحلام أطفال الدول الأخرى تحلق لأبعد من السفر للفضاء أو براءات الاختراع وربما الحياة الأبدية! فرق شاسع بين همومنا وهموم الآخرين.