نتنياهو وإسرائيل.. عندما تتعارض المصالح

بقلم/ سليم عزوز:
وكما في الأفلام العربيّة القديمة، يخرج الطبيب من غرفة العمليات، وهو في حالة حزن أو افتعال للحالة، ليقول: «لقد ضحينا بالجنين من أجل حياة الأم»، ولتَكرار العبارة في أكثر من عمل درامي، وكأنها مُقرر دراسي، صارت محفوظةً يسبق المُشاهد الفنان في ذكرها، وقد أثارت لتَكرارها رُوح الدعابة عند البعض فأنتجوا على منوالها عبارة: «لقد ضحينا بالجنين والأم من أجل راحة الأب»!
إسرائيل الآن بحاجة إلى أن تتخلصَ من نتنياهو من أجل جزء من راحتها، وليس راحتها التامة، لأنه مضى زمن الراحة التي كانت، بعد هزيمة السابع من أكتوبر، وبالتالي فالمذكور لا يخوض حربًا من أجل إسرائيل ولكن من أجل نفسه وانتقامًا لها، فما يقوم به هو قصف مجنون على قطاع غزة، لأن هزيمة الاحتلال الإسرائيلي قد وقعت، ولا سبيل لجبر ما تحطم، وهو عظيم؛ عن الدعاية الفارغة عن الجيش الذي لا يُقهر، وعن تفوقه الذي ضمنت الولايات المُتحدة الأمريكية أن يكون أقوى من عموم جيوش المِنطقة، فإذا بآليات القوم وكأنها عِهن منفوش!
ردة الفعل الإسرائيلية على ما جرى عنيفة وشرسة، وما تعرض له أهالي غزة سيظل في الذاكرة لا يُمحى، وهو مؤلم وموجع، لكنه أبدًا لا يُمثل على كثافته انتصارًا أو ردًا للاعتبار، بل إنه في جانب منه وإن كان قد أجج النفوس والمشاعر، فإنه جعل المواطنين في الغرب يقفون على وجه للاحتلال لم تألفه الأجيال الجديدة، فأفسد دعايتهم عن النقطة المُضيئة في مِنطقة مُظلمة، وبدد مفعول الفيلم الهندي الذي أخرجوه بصورة «عهد التميمي» وهي ترفع صوتها ويدها على نفر من الجيش الإسرائيلي، فيردون على غضبها بسماحة، وعندما تعتقل تخرج من مُعتقلها وكأنها خرجت من بيت أبيها إلى بيت «عَدَلها»، وليس من السجن للشارع!
الصورة كانت مُغايرة طيلة الوقت، لكنها لم تكن بهذا التكثيف، حيث شاهد العالم الاعتداء على المُستشفيات، ورأى الأطفال الضحايا، والأسر المُهجَّرة، والأهالي تحت الأنقاض، وإذ كان الرئيس الأمريكي بانحيازه يُخاطب الناخب الأمريكي، فها هو يقف بنفسه على أن وقفته ليست في صالح شعبيته، فصار بيته وقصر حكمه مكانًا يتجمع حوله المُتظاهرون وهم ينددون بموقفه وبانحيازه لقاتل الأطفال، لتسقط الصورة الذهنية للاحتلال لدى من كانوا لا ينظرون إليها على هذا النحو!
ومع تعذر النصر، فكان أمام الاحتلال أن يخرجَ من المعركة بأقل الخسائر من سُمعته، لكنه يستسلم لانتقام نتنياهو لنفسه، وهو مُنتهٍ، وفي انتظاره تحقيق، ومُحاكمة، لتطوى صفحته تمامًا، كنموذج للمُتغطرس الفاشل، الذي ظن فعلًا أنه لا قوة يمكنها أن تواجه إسرائيل، وكان بذلك ينظر للجيوش النظامية، ولم ينتبه أنهم هزموا الجيوش النظامية في أول الحشر، وقبل أن يُشكلوا جيشهم النظامي، وعندما كان يُطلق عليهم «العصابات»!
هم الآن لا يُواجَهون بالجيوش النظامية حيث تكون الغلبة فيها للأقوى، ولكنهم يواجِهون مُقاومة، تتسم بخفة الحركة، والقدرة على إحداث الضرر بأقل الخسائر، وقد رأينا الآليات الإسرائيلية مُدمّرة جزئيًا أو بالكامل، بعد أن كان يتحصن فيها الجنود الإسرائيليون فأصابت المُقاومة بعضهم في مقتل!
الاحتلال يستطيع أن يُلملمَ جراحه، ويفكر بعقل لا بعاطفة، فيتأكد له أن فرض الحصار على سكان غزة لم يعد مُتاحًا بعد اليوم، وأن قوته لها حدود، وقد سقطت تمامًا نظرية الجيش الذي لا يُقهر، ولا بد من سياسة جديدة لا سيما أن الدعوة لجلائهم من كامل التراب الفلسطيني سقطت بهزيمة 1967، وصار المطلب العربي هو حل الدولتين، والعودة إلى حدود ما قبل سنة 1967، وكأن المواجهة التي جرت قبل هذا التاريخ كانت «رمي بلاء» من جانب العرب، وتحرشًا بالاحتلال بدون وجه حق!
لكن هذه هي ترتيبات الهزائم، فما بعد الهزيمة ليس كما قبلها، وإسرائيل الآن مهزومة، وليس أمامها من سبيل سوى أن تعترفَ ليس فقط بالهزيمة، ولكن بما تُنتجه من آثار، لم تصل إلى حد دعوتها إلى الجلاء التام من كامل التراب الفلسطيني، وعليها أن تعلمَ أن مصالحها الآن تتعارض، لا تتقاطع، مع مصلحة نتنياهو الغاضب لنفسه، المُنتقم لذاته، المؤخر لمُحاسبته، كأرعن كان سببًا في هذه الهزيمة غير المسبوقة للاحتلال الإسرائيلي في طول تاريخه!
لقد حدد نتنياهو أهدافَه من حربه المجنونة، بإنهاء حركة حماس، والقضاء المبرم على المُقاومة، وهو حُلم بعيد المنال، ولن يتحقق له!
إن مُشكلة نتنياهو في أنه لم يجد من يقول له: عندما ترى حلمة أذنك!
كاتب وصحفي مصري