كتاب الراية

نافذة على الإبداع ….. فيلم نابليون

في أحايين كثيرة علينا أن نطرح بعض الأسئلة الرئيسية، حينما نرى التاريخ في معالجة فنية من أي نوع سواء المسرح أو السينما أو الرواية. هل التاريخ بلا صاحب؟ وهل أي فنان يستطيع معالجة التاريخ بنجاح في عمل فني؟ هذا ما تجيب عنه كل الشواهد حول فيلم نابُليون المعروض حاليًا على شاشات السينما عالميًا حيث ألقت خيبة الأمل بظلال ثقيله فوق رادلي سكوت مخرج الفيلم، الذي بدا للجميع أنه محترف تدمير شخصيات التاريخ في أعماله الفنية، فبعد فشله منذ عقدين في معالجة شخصية الإسكندر الأكبر، الآن يفشل بنفس المقدار في معالجة شخصية نابُليون في فيلمه الجديد والذي تكلف 200 مليون دولار، لكن من اليوم الثالث لعرضه وعلى منصة (روتين توميتومز) أكبر مؤشر لتقييم الأعمال السينمائية حصل على تقييم 6 من عشرة ثم تراجع إلى 4 من عشرة في الأيام اللاحقة، لكن ما السبب في هذا الفشل؟

أولًا: لا نستطيع أن نُعالج حياة نابُليون كلها في عمل سينمائي مدته 3 ساعات فقط، ونحن نتحدث عن 25 عامًا كقائد فرنسي ألمعي و17 معركة هزت تاريخ العالم، لذا فالعادة والمنطق يقولان: إننا نعالج قضية واحدة من قضايا حياته مثل حبه لجوزفين أو حملته على الشرق وهكذا.

ثانيًا: لابد للفيلم التاريخي أن تكون له رؤية تاريخية يعالجها السيناريو، ليس مجرد سرد مشهدي مُرقم والذي بلغ حدًا من السذاجة لم نتخيلها عند مخرج بحجم رادلي سكوت، الذي خرج عن السياق السينمائي وأخذنا ليقلب بنا صفحات مصورة داخل كتاب عن نابُليون.

ثالثًا: السيناريو الذي كتبه ديفيد سكاربا كان مهلهلًا لدرجة يستحيل معها أن نكوّن فكرة تاريخية عن نابُليون أو فكرة أدائية، بمعنى أدق كان الممثلون مقيدين في أدائهم نظرًا لضعف المادة المكتوبة دراميًا ما أدى لقصر المشاهد وعدم وجود مساحة زمنية لإظهار الأداء الجيد.

رابعًا بالرغم من التكلفة الباهظة للديكور والملابس جاءت سلسلة من الأخطاء التي لا مُسوِّغَ لها، فغرفة نوم نابُليون وحجرة عرشه في الفيلم بعيدًا تمامًا عن الأثاث الحقيقي، الذي ما زال موجودًا ومعروضًا للعامة في قاعتين في متحف اللوفر مع معظم مُقتنيات نابليون.

التعجل والتكثيف الذي يَصِم أحداث الفيلم بالتسرع دون التسارع الدرامي جعل معظم المشاهد مبهمة تاريخيًا، فكيف للمُشاهد أن يفهم حملة نابُليون على مصر في مشهدين قمة في السطحية والإبهام فهل يُعقل أن يتم معالجة ثلاث سنوات من أكثر سنوات حكم نابُليون حرجًا وتعقيدًا في مشهدين لا يتعدى كل مشهد دقيقة واحدة؟ وهكذا في معظم المشاهد التي تعتمد على حدث تاريخي مهم يصبح الإبهام سمة رئيسية للعمل. في النهاية جاء الفيلم بصيغة أكثر تخصصًا مسطحًا للغاية يكسر أبسط قواعد الدراما، وهو أن يتكون العمل من بداية وعقدة ونهاية لكنه يخلو من هذا التكنيك بشكل لافت للنظر.

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X