واحة النفس.. صفحة متخصصة في الطب النفسي
إطلالة: الهشاشة النفسية تضخِّم المشاكل الحياتية
أحيانًا نقوم بتضخيم أي مشكلة تظهر في حياتنا إلى درجة تطويرها ككارثة وجودية في عملية تسمى في علم النفس «الألم الكارثي».
هذه العملية هي حالة شعورية تعتريك عند وقوعك في مشكلة ما، تجعلك تؤمن أن مشكلتك أكبر من قدرتك على التحمل، فتشعر بالعجز والانهيار عند وقوع المشكلة وتظل تصفها بألفاظ سلبية مبالغ فيها لا تساوي حجمها في الحقيقة، وإنما هي أوصاف زائدة لا وجود لها إلا في مُخيلتك، فيزيد ألمك وتتعاظم معاناتك، ثم تغرق في الشعور بالتحطم الروحي والإنهاك النفسي الكامل، وتحس بالضياع وفقدان القدرة على المقاومة تمامًا، وتستسلم لألمك وتنهار حياتك كلها بسبب هذه المشكلة.
كما تتجلى الهشاشة النفسية في أشكال أخرى في تعاملاتنا اليومية، فنحن نعظم مشاعرنا ونجعلها حكمًا نهائيًا على كل شيء تقريبًا ونقرر اعتزال كل ما يؤذي مشاعرنا ولو بكلمة بسيطة، نكره نقد أفكارنا لأن النقد بالنسبة لنا صار كالهجوم، نحب الذهاب إلى المُعالجين النفسيين في كل شعور سلبي في حياتنا ونهرب إليهم طلبًا للعلاج، لا نسمع النصيحة ولا نتقبلها، ولا نحب أن يحكم علينا أحد بأي حكم كان، ونبحث عن الأعذار ونلتمسها لأنفسنا عند أي خطأ نرتكبه، بدعوى أن مرتكبه يتأذى نفسيًا. وقد ظهرت الهشاشة النفسية بين جيل المراهقين لأسباب كثيرة، من أهمها: عدم تحمل للمسؤوليات منذ صغره حتى في أبسط الأمور، وتعوده الدائم على الاعتماد على غيره في إنجاز أهدافه، أو مذاكرة دروسه أو في إتمام أعماله، وبهذا الانفكاك الكامل بين خبرة هذا الجيل من الشباب وبين الحياة الحقيقية تجعله أكثر دلالًا وأكثر انهزامًا أمام الضغوط، وهذا الجيل قد ينهار أمام أي موقف ويتحطم مع أي أزمة، بينما كانت الأجيال السابقة في نفس العمر تمتلك قدرًا أعظم من النضج النفسي والذهني، ما أهّلها لتكوّن أُسَرًا وتتحمل مسؤوليات في مقتبل العمر. ولهذا لا بد من تدريب هذا الجيل على المرونة النفسية من أجل تحسين الصحة النفسية والعقلية، وتحسين الأداء الإدراكي المعرفي، والحفاظ على الهدوء الداخلي في المواقف المُجهدة، والاستقرار في مواجهة المُشكلات، والنظر إلى الحياة على أنها سلسلة من التحديات لا المشاكل.
نفسيات: الاهتمام بالحمية العقلية يطلق الطاقات الإبداعية
الحمية الغذائية يعرفها الكثير من الناس، وبإمكان أي شخص أن يختار ما يناسبه من أغذية تحميه من الأمراض الجسدية – بإذن الله – بل إن هناك مراكز متخصصة لتقديم النصائح والإرشادات في هذا المجال، لكن في المقابل – وهو الأهم – لا يوجد هناك اهتمام بالحمية العقلية والحماية من المُلوثات والمنغصات العقلية، وما أكثرها في هذا الزمن، فلابد من تدريب العقل على تجاهل كل الأخبار والأفكار التي لا فائدة من السماح لها بدخول العقل، وكذلك تجنب فضول الكلام والنظر والخوض في أعراض الناس ونقل غريب الأخبار ومالا طائل من ورائه، والتركيز على الوجبات العقلية المفيدة التي تسمو بالعقل وترضي خالقه،(وَﻟَﺎ ﺗَﻘْﻒُ ﻣَﺎ ﻟَﻴْﺲَ ﻟَﻚ ﺑِﻪِ ﻋِﻠْﻢ ﺇِﻥَّ ﺍﻟﺴَّﻤْﻊ ﻭَﺍﻟْﺒَﺼَﺮ ﻭَﺍﻟْﻔُﺆَﺍﺩ ﻛُﻞّ ﺃُﻭﻟَﺌِﻚَ ﻛَﺎﻥَ ﻋَﻨْﻪُ ﻣَﺴْﺌُﻮﻟًﺎ).
ويوجد بالعقل خاصية من أجمل وأكبر الخاصيات التي منحها الله للإنسان وهي الذاكرة التي يترجمها العقل عن طريق كل ما يتعرض له الإنسان من سمع وبصر وكلام وأفعال ورواسب وأحداث فالإنسان يمر بحياته مراحل عدة يتعرض من خلالها لصدمات وأزمات حسية واجتماعية ومادية ويتعلم في حياته الكثير سواء بالفطرة والتقليد دون علم منهجي وسواء ما يتعلم من دراسات ومفهوم وفكر يقوم مركز الذاكرة بترجمة هذا وتحويله إلى طاقات توزع مع طاقات الغذاء فيتأثر بها الجسم في تحركاته وانفعالاته وأحاسيسه، وأيضًا تتدخل في هيئته وشخصيته وجسده وكل ما يخصه من نظراته، أفكاره، طريقة المشي، الجلوس، الإيجابية، السلبية، الإفراط، التعصب، الاستقامة، الانحراف، الرشاقة، النحافة، التُخَمة، وهكذا.
فالتعرض لأحاسيس عديدة يصعب عليك الشكوى منها مثل (الخوف، التردد، عدم الثقة، الاهتزاز، الضعف الداخلي، أمنيات لا تستطيع أن تشرحها لتتحقق، خيال واسع يتسبب في صراعات داخلية مع الواقع، تفكير في أشياء وعدم قدرة على التوقف بالتفكير بها.
ولهذا الأمر فنحن نحتاج إلى الحمية العقلية من أجل تصفية الذهن وتنقية جهاز الأفكار بالعقل وترتيب الأولويات في الذاكرة العقلية والإحساس بالقوة والهدوء والأمان والثقة بالنفس وتنميتها وعدم التردد وعدم الاهتزاز والملل والنشاط والحيوية على مدار ساعات النهار وأثناء أعباء العمل. وتنظيم الوقت واكتساب الجسم خواصه الطبيعية والاستمتاع بنعمة النوم والراحة في أقصر مدة للراحة واستغلال كل الطاقات واكتساب طاقات أخرى وعدم الشعور بضيق النفس بدون أسباب، سرعة البديهة وفتح قنوات جديدة للتفكير وبطرق أخرى. وتنمية وتقوية القدرات الشخصية ومنها الإبداع والمهارة.
ولكي نبحث ونجد هذه المقادير لكل منا لابد أن يتأهل ويهيئ نفسه لهذا وأيضًا ليطمئن جانب الفضول الإنساني وتهدئة تيارات الاعتراضات سواء كانت علمية أو غير علمية.
مُستشارك الأسري
أخاف من المقابلة الوظيفية
عندي مقابلة عمل، وهي مهمة بالنسبة لي، وأعاني من الرهبة والخوف والتلعثم:
– هل يوجد دواء يمكن أن أتناوله قبل المقابلة بساعات؛ يجعلني هادئًا، وواثقًا من نفسي، ولا يفقد تركيزي؟
وشكرًا لكم. أخوكم / فهد .
الإجابة:
أنت شخّصت مشكلتك وذلك من خلالِ وصفك للأعراض التي تنتابك وهي: الخجلُ، والخوفُ أثناء التحدثِ أمامَ الآخرين وعدم الثقةِ بالنفسِ، وهذهِ المشكلةُ يرجعُ سببها إلى تكوين شخصيتك، فهناك بعضُ الشخصيات المنطوية التي تُحب العزلة وعدم الاختلاط بالآخرين، والاندماجُ في المجتمع.
والمصابُ بالرهاب الاجتماعي يخافُ من أن يخطئ أمامَ الآخرين فيتعرضُ للنقدِ أو السخريةِ أو الاستهزاء، وهذا الخوف الشديدُ يؤدي إلى استثارةٍ قويةٍ للجهاز العصبي غير الإرادي، حيث يتمُّ إفراز هرمون يسمى «أدرينالين» بكمياتٍ كبيرة تفوق المعتاد، مَا يؤدي إلى ظهورِ الأعراض البدنية على الإنسانِ الخجول في المواقف الاجتماعية، أمَّا الخجلُ الذي تعاني منه فهو الخجل من الآخرين.
وبالنسبة لنجاح مقابلتك لا تعتمد بالأساس على العلاج الدوائي أخي الفاضل، ولا يمكن أن يصرف دواء بالسرعة العاجلة، وهذا من الأخطاء التي يقع فيها كثير من الناس، ولكن علاجك الصحيح أخي الفاضل هو تعديل السلوك وتغيير التفكير من السلبي إلى الإيجابي، ولا بد من أن تعطي لنفسك مكانة وقوة حتى تتغلب على الخوف والخجل، وترسل الرسائل الإيجابية إلى عقلك الباطن أنك ستنجح في مقابلتك بإذن الله تعالى، وتجتاز مرحلة الخوف و الرهاب والقلق.
ولكي تتخلص من هذه الظاهرة إليك خطوات منها:
1- لابدَّ أن تحدد أسباب شعورك بالخجل، فعلى سبيل المثال، هل يُرعبكِ أن يُقال شيءٌ ما حول مظهرك؟ لابدَّ من وجود سببٍ وراء طريقة ردِّ فعلك، وحاول أن تتخلص منها.
2- لابدَّ أن تكون مقدرًا تمامًا لقدراتك ومهاراتك؛ حتى لا يكون هناك شعورٌ كاذبٌ بالنقص.
3- لابدَّ أن تكون لديك قوةُ الإرادةِ في مواجهةِ الآخرين والاندماج معهم، ما يزيدك الثقة في نفسك فتتخلص تدريجيًا من الخجل..
4- حاول أن تتعلم المهارات الاجتماعية كأن تعمل على ضمان النجاح والتفوق دون الإخلالِ بحقوقِ الآخرين، وتتمتع بالشجاعةِ والقوةِ والقدرة على اتخاذِ القرارات الحاسمة، والقدرة على التفاوضِ والتحاورِ والإقناعِ بتلقائية.
5- حاول أن تواجه الآخرين وتتكلم معهم، وذلك بتحديدِ أفكارك وترتيبها وتوضيح الرسالة التي تريد أن تبلغها لغيرك، ولابدَّ أن تدعم وجهات نظرك بالحقائق التي تدعم أفكارك، وتجعل لك مصداقية لدى الآخرين.
6- لا تحاول أن تصغر وتحقر من نفسك أمام الآخرين، وأنك لا تستطيع أن تتكلم بطلاقة، أو أن تمشي بكل حرية، فهذه البرمجة قد تؤثرُ على سلوكك وعلى حركاتك.
7- درّب نفسك وأمام المرآة في البيتِ على الحديثِ بكل طلاقةٍ وبدون خوف، فهذا سيزيد ثقتك بنفسك أكثر.
8- مارس تمارين الاسترخاء قبل الذهاب إلى موعد المقابلة لأنّها تساعدك في التّغلبِ على القلقِ والتوتر، واختَر مكانًا هادئًا في الغرفة واستلقِ على السرير، ومد رجليك ويديك وليكن النور خفيفًا، وحاول أن تستخرج كل المشاكل والهموم والأفكار التي تُعاني منها وارمِها وراء ظهرك، وحاول تكرار هذا التمرين لعدة مرات.
9- حاول أن تصلي ركعتين قبل الذهاب إلى المقابلة، وتلح في الطلب والدعاء بأن يوفقك الله وييسر لك أمرك.
10- انظر للأفضل في نفسك، فأحد الطرق لتكريسِ الثقةِ بالنفسِ هو التوجه إلى الأشياء الحسنة في الذاتِ والتقليل من تأنيب الذات.
11- اشعر بإيجابية تجاه نفسك، ولا تجعل نفسك تشعر بالإحباط وتمتع بوقتك.
وبالله التوفيق.
همسات:
1- راقب حياة ولدك من بعيد وقوّم سلوكه بالقصص الليلية قبل النوم.
2- علمه كيف يحاكم الأشياء، وكيف يستمتع مع الأصدقاء.
3- علمه كيف يصفح ويضحك، ويستمتع بوقته بطريقة إيجابية دون أن يلحق بنفسه أو بالآخرين الأذى.
4- علمه أدب الحوار وإبداء الرأي من خلال استماعك لآرائه بعد انتهاء القصة ففي هذه اللحظات يصنع أفكاره ومعتقداته.
التفكير الإيجابي:
علامات الشخص الإيجابي:
1- يبتسم في وجوه الآخرين.
2- يتواصل مع من يقاطعونه.
3- يستمع لمشاكل الآخرين ويواسيهم.
4- يحتفظ بردة فعل إيجابية على أي تصرف سلبي.
5- يحرص على معرفة آراء الآخرين ليصلح نفسه.
6- يقدم حسن الظن بالناس ويتجاوز عن زلاتهم.