الأشهر الحُرم .. مواسم لمضاعفة الطاعات
تعظيم الأشهر الحرم نهج الصالحين أهل الفهم
كتب – محروس رسلان:
مع اقتراب دخول هلال شهر رجب أكد عدد من الدعاة لـ الراية أن الله اصطفى خواصَ من خلقه، اصطفى من الملائكة رسلًا، ومن الناس رسلًا، واصطفى من الكلام ذكره، واصطفى من الأرض المساجد، واصطفى من الشهور رمضان والأشهر الحرم، واصطفى من الأيام يوم الجمعة، واصطفى من الليالي ليلة القدر، داعين إلى تعظيم ما عظَّم الله لأن ذلك نهج الصالحين من أهل الفهم والعقل.
وأوضحوا أن هذه الأشهر كان لها حُرمة زمنية عند العرب، أقرها الإسلام حيث كانت تلك الأشهر مُوقرة جدًا ومعظمة جدًا وبقيت في الإسلام كذلك، حيث باتت مواسم للطاعة واكتساب مزيد من الأجور وموسمًا أيضًا للتوبة والابتعاد عن الموبقات والآثام.
ورأوْا أن قول الله تعالى في الأشهر الحرم: «فلا تظلموا فيهن أنفسكم» يدل على أن السيئة تكون مُغلظة في الأشهر الحُرم ومن ثم فمن باب القياس: الحسنة في الأشهر الحُرم أفضل من الحسنة في غيرها، باستثناء شهر رمضان وأشهر الحج.
د. محمود عبد العزيز: الذنوب مضاعفة العقاب في الأشهر الحُرم
أوضح فضيلة الشيخ د. محمود عبد العزيز أستاذ الفقه المقارن بجامعة أم القرى سابقًا، أنه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه الشيخان -البخاري ومسلم- في صحيحيهما: «إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبٌ شَهْرُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ» .
وقال: بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم الأشهر الحُرم وهي: رجب، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرّم، ثلاثة سرد وواحد فرد، لأجل مناسك الحج والعمرة، فحرم قبل أشهر الحج شهرًا وهو ذو القعدة؛ لأنهم يقعدون فيه عن القتال، وحرم شهر ذي الحجة لأنهم يوقعون فيه الحج ويشتغلون فيه بأداء المناسك، وحرّم بعده شهر آخر وهو المحرم ليرجعوا فيه إلى أقصى بلادهم آمنين، وحرّم رجب في وسط الحول لأجل زيارة البيت والاعتمار به لمن يقدم إليه من أقصى جزيرة العرب، فيزوره ثم يعود إلى وطنه فيه آمنًا.
وأبان أن من خصائص الأشهر الحُرم، أن الذنوب فيها أعظم من غيرها، حيث قال ابن كثير رحمه الله في قوله تعالى: «فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ» . أي في هذه الأشهر المُحرمة؛ لأنها آكد وأبلغ في الإثم من غيرها، كما أن المعاصي في البلد الحرام تُضاعف لقوله تعالى: «وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ» . فكذلك الشهر الحرام تغلظ فيه الآثام.
د. أحمد عبد المنعم: تغليظ الدية ومضاعفة الثواب والعقاب
أكد د. أحمد عبد المنعم الداعية الإسلامي، أن الأشهر الحُرم هي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، كما جاء في الصحيحين. وعن مضاعفة الثواب والعقاب في هذه الأشهر قال: لقد صرح بها بعضُ أهل العلم استنادًا لقوله تعالى: «إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيّم فلا تظلموا فيهن أنفسكم» .
وأضاف: الشهرُ الحرام تغلظ فيه الآثام، ولهذا تغلظ فيه الدِّيَة في مذهب الشافعي وطائفة كثيرة من العلماء، وكذا في حق من قتل في الحرم أو قتل ذا محرم، ثم نقل عن قتادة قوله: إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرًا من الظلم في سواها، وإن كان الظلم على كل حال عظيمًا، ولكن الله يعظم في أمره ما يشاء.
د. أحمد شكري: أوصانا الله فيها بألّا نظلم فيها أنفسنا
أكد د. أحمد شكري أستاذ التفسير وعلوم القرآن في كلية الشريعة بجامعة قطر، أن شهر رجب الذي سيهِل علينا هو أحد الأشهر الحُرم الأربعة التي أوصانا الله فيها بألّا نظلم فيها أنفسنا.
وقال: في قوله تعالى: «إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ» ، في هذه الآية الصريحة نجد أن هناك أربعة أشهر حُرم مُميزة عن بقية الأشهر تشكل ثلث العام.
وأضاف: هذه الأشهر الحُرم مُعظمة لدى العرب من قبل الإسلام، حيث يرتاح الناس خلالها من الحروب والثارات والغنيمة والمُلاحقة، واقتضت الحكمة أن تكون ثلاثة أشهر منها في موسم الحج وواحد بعد الحج بخمسة أشهر حتى تكون الأشهر الحُرم في ثنايا السنة ولكي لا تكون باقي السنة أشهُرَ نزاع وصراع.
وتابع: لما جاء الإسلام أقر حرمة الأشهر الحُرم على ما كانت عليه في الجاهلية حيث كانت تلك الأشهر مُعظمة حتى إن الرجل ليَجدُ قاتلَ أبيه في هذه الأشهر فيكف عنه خلالها، ثم يلاحقه ويقتله بعد مرورها حُرمة لتلك الأشهر.