كتاب الراية

عن شيء ما .. السعادة بين الواقع والتوقعات

لدينا جميعًا توقٌ ورغبة لتحقيق أمرٍ ما، للوصول إلى النسخة المثالية من حياتنا، إلا أننا كلما بالغْنا في توقعاتنا أُصِبنا بخيبة أمل أكبر وأكبر.

فماذا لو تخلّينا عن التوقعات والآمال، ماذا لو تخلينا عن الأمل؟

في إحدى المقابلات التلفزيونية التي تغطي أحوال الناس في الشارع، صادف أن تحدثوا إلى رجل مُشرَّد يجلس تحت شجرة، وبالطبع هو لا يملك شيئًا على الإطلاق سوى ظل تلك الشجرة، لكن الغريب أنه صرح بأنه سعيد ولا ينقصه شيء!!

فمن أين جاءت سعادته؟ هل جاءت من التواضع في الطموح أم التخلي عن كل التوقعات، وخفض مستوى الأمل للحد الذي يجعله واقعيًا إلى أبعد الحدود، إلى الحد الذي يجعله قانعًا وسعيدًا بذاته ووجوده ليس إلا!

مع قدوم 2023 صُنّفت فنلندا بأنها أسعد دولة في العالم للسنة السادسة على التوالي، وقد طُرحت عدة نظريات لشرح السبب الكامن وراء استمرار تصدّر الدولة الإسكندنافية المرتبة الأولى في هذه القائمة، بدءًا من النظرية التي تقترح المساواة في الدخل بين السكان إلى النظرية التي تفترض طول الوقت الذي يقضيه السكان في الطبيعة.

لكن أحد أساتذة علم الاجتماع الفنلندي أرجع ذلك إلى التوجه الثقافي الذي يضع حدودًا واقعية لتوقعات المرء في الحصول على حياة كريمة، إذ يرى أن الشعب الفنلندي يبدو سعيدًا لأن أفراده لا يرفعون سقف توقعاتهم المستقبلية عاليًا.

ورغم أن رفع سقف التوقعات عاليًا أمر مُهم -لأنه يحفز الإنسان ليطمح ويضع أهدافًا للعمل والسعي من أجل تحقيقها، كما أنه يجعلنا متفائلين أيضًا لنستمر في مواجهة الشدائد والصِعاب- لكنه في المقابل يأخذ منا الكثير من مساحات الشعور بالرضا والسعادة ونبدو كما لو أننا في حالة عطش دائم دون ارتواء.

لذا فإن الطريقة الوحيدة لتجنب الصدمات والشعور بالخيبة والاستياء الناتج عن سقف توقعاتنا المُرتفع هو التخلي عن مشاعر الاحتياج لحصول شيء ما.. وحتى نشعر بالاكتفاء والرضا الداخلي علينا الامتنان لظروف حياتنا أيا كانت والتخلّي عن فكرة اعتبارها ظروفًا قاسية ومملوءة بالمُعوقات،

فإذا حدث أن كان الواقع أكبر من توقعاتنا ستكون النتيجة إيجابية والعكس صحيح، وعلى هذا يبدو سر الزواج السعيد هو التوقعات المنخفضة! إذ إن سبب عدم رضا الكثير من الأزواج عن زيجاتهم هي التوقعات العالية وغالبًا ما تكون توقعات غير واقعية، لذا -كما أن هناك إدارة للوقت- يبدو أنه من المهم جدًا أن يكون هناك إدارة للتوقعات في حياتنا..

نعم تبدو معادلة حقيقية ومُجرّبة:

السعادة = الواقع – التوقعات.

 

 

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X