حلل يا دويري
بقلم/ سامي كمال الدين:
وكأنه قادم من هناك، من زمن المجد العربي والصوت العالي للعروبة، حين كان يئن صوت عربي يطل على المحيط فيكفكف دمعه صوت عربي يطل على الخليج، وحين قالت إسرائيل من البحر إلى النهر فقال لها العرب وقادتهم وقتذاك لا بحر ولا نهر.
اللواء فايز الدويري يذكرني بهذه الأيام التي لم أعشها بل لم أكن وُلدتُ عندما كان العرب كذلك، ولدتُ في زمن الهوان العربي والانبطاح فهربتُ إلى الكتب وإلى التاريخ مكتوبًا ومصورًا وإلى أفلام الأبيض والأسود هروبًا من الانهزامية التي نعاني منها الآن فعرفت أين كنا وإلى ماذا وصلنا؟!.
عندما ظهر في الأفق صوت الدويري أو قل عندما اختطفته شبكة الجزيرة الإعلامية في المعركة بذكاء من يعرف بمن تأتي به ليوازي نقلها للأحداث في غزة، فساهم الرجل بثقافته الواسعة وخبرته العسكرية وحس النشامى العروبي في رفع المعنويات لدى الفلسطينيين في فلسطين ولدى العرب من خليجهم إلى محيطهم.
اللواء الدويري عسكري يؤمن بالحكم المدني والديمقراطية، هذا عسكري إذن من سلسلة دوايت أيزنهاور والمشير عبدالرحمن سوار الذهب والفريق سعد الدين الشاذلي، وفي التاريخ قام قادة عسكريون بتحقيق انتصارات عسكرية وسياسية واقتصادية لشعوبهم، وشعوبنا تقدس جيوشها وتحبها بصدق لذا يسعدها كثيرًا أن يخرج صاحب نياشين منها تكون أولوياته العدالة الاجتماعية والحياة الكريمة لشعبه، وربما الذي جعل الجماهير تلتف حول تحليلات الدويري مَقدِرَة الرجل الفائقة على المزج بين التاريخ والتحليل العسكري مع التحليل السياسي مع الربط بين الماضي والحاضر والفهم الجيد للمعدات العسكرية ومعرفة ما يملكه العدو منها وما تملكه المقاومة، أيضًا المكان الذي ظهر منه وهو قناة الجزيرة التي لا يستطيع أحد أن يشكك في مصداقيتها أو دورها تجاه غزة أو القضية الفلسطينية.
لقد أنقذنا فايز الدويري من انغماس شبابنا طوال الوقت مع المحللين الرياضيين، وإن كانت كرة القدم مهمة لكن لفلسطين الأولوية من الرفاهية، الرفاهية تالية وليست سابقة، لذا أسعدني التفاف الشباب بهذا الشكل حول تحليلات الدويري وتنصيبه المحلل الشعبي للأمة.
فايز الدويري المولود في الثالث من مارس عام 1952 نشأ في عائلة ريفية في قرية أردنية، كتم محافظة إربد، لعائلة تعمل في الزراعة وتربية الماشية، يحمل إرث صبي ريفي عاش بين ثمانية إخوة ونشأ يتيم الأم، لم يكن من أبناء العاصمة حتى في فترة تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي إلى أن التحق بالكلية العسكرية وتنقل في مهام عسكرية عديدة بعد تخرجه على الحدود الأردنية السورية وفي اليمن لتأمين مضيق باب المندب وباكستان.
كانت آخر مهامه العسكرية الأردنية آمرًا لكلية القيادة والأركان الأردنية برتبة لواء قبل إحالته إلى التقاعد، وحصل بعد ذلك على الدكتوراة في فلسفة التربية الوطنية.
الصعود الكبير للدويري جاء من تحليلاته الجريئة الوطنية الواعية لعملية طوفان الأقصى ودعم المقاومة الفلسطينية بشكل دعائي كبير وأبرز قوتهم ودورهم وأسلحتهم فقيمت ورفعت المقاومة الفلسطينية موقفه عبر قول أحد رجالها أثناء تنفيذه عملية ضد إسرائيل «حلل يا دويري» ليرد الدويري «سأحلل» ويضيف: «أرفع رأسي وأشمخ وربما تكون أجمل لحظات حياتي حين سمعت المقاوم ينادي باسمي، إنها لحظات الشرف التي أعلم أن المقاومين يتابعون ويثنون على ما أقدمه من جهد بسيط بل ولا يذكر أمام أصحاب الفعل».
ما تميز به الدويري دراسته لفصائل المقاومة واطلاعه على تاريخها ومقدرته على التفرقة بين كل فصيل على حدة وتبيين دوره ونوع الأسلحة التي يُصنعها وطرق صناعتها والأمكنة التي تنطلق منها ودراسته لخريطة فلسطين بشكل جيد ومعرفته مناطق قطاع غزة كأنه مواطن غزاوي يعيش بينهم.
الدويري أيضًا يحلل ضربات الجيش الإسرائيلي وأسلحته ونوعيتها ويربط بينها وبين الهجمات البربرية التي وقعت قبل ذلك عبر التاريخ، وهذا ما ميز اللواء الدويري على الجزيرة كما ميز قبل ذلك العميد صفوت الزيات واللواء عادل سليمان رحمهما الله حيث قدما تحليلات سياسية وعسكرية متميزة على قناة الجزيرة.
ارتبط الوجدان الشعبي باسم اللواء فايز الدويري كما ارتبط بالعديد من الشخصيات في هذه المعركة وعلى رأسها أبو عبيدة ليتأكد لنا أن هذا الوجدان الشعبي العربي لم تغيره كل العوامل السياسية والعسكرية السلبية التي حاولت تهشيم وتشويه وتقزيم القضية الفلسطينية، لقد ذهب كل ذلك أدراج الرياح فاستمر وحلل يا دويري.
إعلامي مصري