فيض الخاطر.. سيدةُ اللغات.. في يومها العالمي
الاحتفاءُ باليوم العالمي للغة العربية في الثامن عشر من ديسمبر، يعيد إلى الأذهان أمجاد هذه اللغة التي تميّزت بين لغات العالم بالعديد من العوامل المُلهمة للمبدعين والباحثين والناطقين بها، كما أن في بِنيتها من الجماليات مالا يتوفر في غيرها من اللغات، وهي التي حُفظت بالقرآن الكريم، وحُفظ بها، لتصبحَ لغة المسلمين المنتشرين في أصقاع العالم، والذين يقترب عددهم من ملياري مسلم يعيشون في 56 دولة تضمها منظمة العالم الإسلامي ودول أخرى غير منضوية تحت لواء هذه المنظمة، إلى جانب الأقليات الإسلامية الموجودة في دول مُختلفة، وهم يقرؤون القرآن بلغته ويؤدون صلواتهم بها، وبها أصبح الإسلام أسرع انتشارًا من غيره، بما يحمله من القيم النبيلة والمبادئ السامية التي سهلت انتشاره في أصقاع الدنيا.
وقد سميت اللغةُ العربية بسيدة اللغات لما يتوفر فيها من الإعراب ودقة التعبير وكثرة الاشتقاق والإعجاز والإيجاز، ووفرة المُحسنات البلاغية، التي لا تتوفر بالقدر نفسه في لغات العالم الأخرى، وقد صدر في الثامن عشر من ديسمبر 1973 قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة باعتبار هذا اليوم يومًا عالميًا للغة العربية، وهو اليوم الذي اعتمدت فيه اللغة العربية لغةً رسمية في الأمم المتحدة لتصبح واحدة من اللغات الست التي تعمل بها المنظمةُ الأممية، وهي العربية والإنجليزية والفرنسية والصينية والروسية والإسبانية.
ومن المؤسف أن يتنكر أبناء العربية للغتهم، ويحرصوا في أحاديثهم على تشويه كلامهم ببعض الكلمات الأجنبية، للتظاهر بالمعرفة والتباهي بإتقانهم لتلك اللغات، وهي مسألة لا تدعو للتباهي بل هي للأسف تدل على ضحالة وعجز المُتحدث، عندما تغيب عنه الكلمات العربية أو مترادفاتها، فيلجأ لأي لغة أجنبية يعرف بعض كلماتها، ليغطي عجزَه عن التحدث بلغته الأصلية.
وظاهرة تحدُّث الشخصيات العربية باللغة الإنجليزية في المؤتمرات والمنتديات العالمية.. هذه الظاهرة تشكل موقفًا سلبيًا تُجاه اللغة العربية، بينما يحرصُ الآخرون المشاركون في مثل تلك المناسبات على الحديث بلغاتهم الأم، دون الاهتمام بمن لا يعرفونها، خاصة مع وجود وسائل الترجمة الفورية -التي لا يخلو منها أي مؤتمر أو منتدى دولي- وقد امتدت عدوى ذلك إلى مؤسسات حكومية وأهلية أصبحت مكاتباتها الإدارية باللغة الإنجليزية، رغم أن العربية هي اللغة الرسمية في البلاد.
وحتى في شوارع المُدن العربية نرى المحلات في تلك الشوارع تحمل أسماء أجنبية، وفي دول الخليج تظهر اللغات الهندية والفارسية والإنجليزية، وفي دول المغرب العربي تظهر اللغة الفرنسية، وفي بقية الدول العربية تظهر الإنجليزية بشكل لافت للنظر، الأمر الذي لا مبرر له، لأن اللغة العربية يمكنُها أن تستوعب كلمات ومصطلحات غير موجودة فيها من قبل، فهي لغة حيَّة ومُتجددة، ويجب العنايةُ بتعليمها في المدارس منذ الصغر، وبأساليب تهيّئ للأجيال الجديدة استيعابها بشكل أفضل.