على مدى عقودٍ، واصل الشعبُ الفلسطيني نضالًا طويلًا ومؤلمًا لتحرير أرضه وتقرير مصيره عليها، ورغم محنته وتخاذل المُجتمع الدولي، فهو لا يزال صامدًا في تصميمه على ضمان تحقيق أهدافه الوطنية والحفاظ على حقوقه وأمنه.

إن النفاق الدولي بتجريم المُقاومة الفلسطينية يُثير تساؤلات حرجة حول مدى اتساق وعدالة الروايات الدولية، ويطرح العديد من الأسئلة حول السبب في وصف دول أخرى تُدافع عن استقلالها بالبطولة، في حين يصف الآخر بالإرهاب. فالحق في تقرير المصير هو مبدأ أساسي من مبادئ القانون الدولي وحق أساسي من حقوق الإنسان يجب أن يتمتعَ به كل شعب كما هو منصوص عليه في العديد من قرارات الأمم المُتحدة والاتفاقيات الدولية، وهو يرتكز على مبادئ العدالة والمُساواة واحترام كرامة وحقوق جميع الأفراد والمُجتمعات.

إن مُعاناة الفلسطينيين العميقة وطويلة الأمد قوبلت – يا للأسف – بصمت مُزمن من جانب المؤسسة الدولية في كثير من الحالات. وقد ساهم هذا الصمت المُطبق، في إفلات إسرائيل من العقاب. وفي المُقابل واجه الفلسطينيون التهجير، والاحتلال، والصعوبات الاقتصادية، والقيود المفروضة على حركتهم، والعنف، وكل ذلك بينما هم مُصممون على نيل حقوقهم في تقرير المصير والاستقلال والحياة الكريمة.

ومن المؤسف أن إحجام المُجتمع الدولي عن تحميل إسرائيل المسؤولية عن أفعالها قد سمح لها باستمرار الإفلات من العقاب.

ومع ذلك تطورت قدرة الشعب الفلسطيني على الصمود والاعتماد على الذات مع مرور الوقت، إذ إنهم اعتمدوا تاريخيًا على الدعم العسكري العربي للدفاع عن قضيتهم، ولكن على مر السنين، شقّوا طريقهم نحو الاعتماد على أنفسهم في النضال من أجل تقرير المصير.

لقد عزز نضال الفلسطينيين من أجل العدالة والكرامة والاستقلال شعورًا عميقًا لديهم بالتكيف والصمود في وجه التحديات العديدة التي واجهوها طَوال تاريخهم، حيث تُمثل عملية اكتساب الحصانة في هذا السياق، قدرة هذا الشعب المُقاوم على التنقل بين التضاريس الجيوسياسية المُعقدة التي يجد الشعب نفسه فيها، ليُصبحَ أكثر كفاءة في الدفاع عن أرضه وحقوقه ومصالحه بالاعتماد على الذات.

لا شك أن خطورة الوضع الحالي واضحةٌ لأولئك الذين يُراقبون التطوّرات الجارية، خاصة أنه من غير الممكن لهذا الوضع أن يستمر إلى ما لا نهاية وأن المُجتمع الدولي هو الذي يتحمل المسؤولية المعنوية واللاأخلاقية عن كل ذلك.

إن محنة الشعب الفلسطيني هي مأساة طويلة الأمد تتطلب اهتمامًا عاجلًا وإجراءات حاسمة. كما أنه يجب أن يتم السلام العادل والدائم، الخالي من الاحتلال والقائم على احترام القانون الدولي. ومن الضروري أن يتصرفَ المُجتمع الدولي باقتناع وتصميم لبث الحياة في هذه الرؤية، وهذا يستلزم إنفاذ القانون الدولي، وتفكيك المُستوطنات غير الشرعية، وإنهاء المُمارسات التي تُديم المُعاناة الإنسانيّة.

ومن خلال هذه الجهود المُتضافرة فقط يمكن للمُجتمع الدولي أن يفي بالتزامه بالحفاظ على الهُوية الفلسطينية والحفاظ على مبادئ العدالة والمُساواة وتقرير المصير، بما يضمن أن يُصبحَ الوعد بالسلام العادل والدائم حقيقة واقعة للشعب الفلسطيني وفلسطين، وللمِنطقة بأكملها.