كتاب الراية

نافذة على الإبداع …. جون زوفاني والكلاسيكية الجديدة

إذا حاولنا تقييم النصف الأول من القرن الثامن عشر وحتى السنوات الأولى للقرن التاسع عشر استطعنا أن نميز العديد من الأحداث التي أثرت في الفن التشكيلي بشكل قوي ومن بينها ظهور الكلاسيكية الجديدة التي لا يُعرف على وجه الدقة بدايتها الأولى والمعروفة ضمنًا في فرنسا لكن الحقيقة أنها كانت لها إرهاصات في أماكن عدة منها ألمانيا وإنجلترا.

ويعتبر جون زوفاني أحد رواد هذه المدرسة والذي أطلق عليه أستاذ جيله وهو ألماني المولد -والمقصود هنا بالجيل الفترة ما بين النصف الثاني من القرن الثامن عشر والحقبة الأولى من القرن التاسع عشر- فلقد أرسى زوفاني قواعد جديدة في الكلاسيكية الجديدة بل وألهمت أعماله فيما بعد أجيالًا لاحقة كثيرة لأنه شكل مدرسة وأسلوبًا متميزًا فأسس على سبيل المثال لما يعرف بال -تريبونا- أي رسم أعمال فنية شهيرة في حيز متحفي أو حيز ضيق، وعلى الرغم من أنه لم يكن مبتدعًا لذلك إلا أنه أرسى قواعد هذا النوع من الفن.

لم يكد هذا الألماني الذي وُلد في فرانكفورت عام 1733م وهو في الحقيقة بوهيمي الأصل واسمه الحقيقي جوانيس جوزيفوس، وبوهيميا هي منطقة وسطى بين فرنسا وألمانيا كانت وحتى أوائل القرن العشرين تنبت العديد من عظماء الفن، لم يكد جون زوفاني يشب عن الطوق حتى التحق للعمل في مُحتَرَف للنحت، وعرف فيه الخطوط الأولى للفن وقواعده، كما اكتشف موهبته في هذه الفترة حتى بلغ السابعة عشرة من العمر فرحل إلى روما لشرب هذا الفن من ينابيعه، ومن ثم عمل مع أشهر أساتذة روما آنذاك وهو أوجاستينو ماسوتشي الذي عرف في روما بأعماله النحتية الضخمة ومنحه أستاذه ماسوتشي اسمه الذي اشتهر به فيما بعد وهو زوفاني بدلًا من جوسيفوس، كانت سطوته الفنية تزداد يومًا بعد يوم منتصف ستينيات القرن الثامن عشر لكنها تضاعفت بعد انضمامه لأحد المحافل البنائين الأحرار.

اشتُهر جون زوفاني بأنه أستاذ جيله وفي فترة ما قرر زوفاني أن يدلل على عبقريته الفنية ودقة حرفته والتي ترسخت لديه من الرسم على مينا الساعات حينما كان يعمل في مُحتَرَف ريموبلت حيث كان عليه أن يرسم لوحات كاملة متكاملة داخل مينا ساعة لا يتعدى قطرها 4 سنتيمترات، كما كان يرسم لوحات متوسطة الحجم فوق مينا الساعات الكبيرة، ومن ثم بدأ برسم ما يُعرف بال «تريبونا» أي رسم لوحات شهيرة وأعمال فنية داخل مخزن أو صالة عرض ومن بينها تلك التريبونات التي رسمها لمخازن متحف أوفتزي الشهير وهو أحد أشهر متاحف العالم وأقدمها والذي يضم أعاظم أعمال الرينيسانس والباروك بحكم وجوده في مهد الرينيسانس مدينة فلورنسا.

عاش زوفاني معظم حياته في إنجلترا ومات هناك في ستراند أون ذا جرين ودفن في كنيسة القديسة آنا.

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X