يقول الله تعالى: (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ، كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ).

ضربَ القرآنُ هذا المثلَ لمن عمل عملًا لوجه الله – تعالى – من صدقة أو غيرها ثم عمل أعمالًا تُفسدُه، فمثله كمثل صاحب هذا البستان الذي فيه من كل الثمرات، وخصَّ منها النخل والعنب لفضلهما وكثرة منافعهما، وتلك الجنة فيها الأنهار الجارية التي تسقيها، وكان صاحبها قد اغتبط بها، ثم إنه أصابه الكبر فضعف عن العمل وزاد حرصُه، وكان له ذرية ضعفاء ما فيهم معاونة له، بل هم كَلٌّ عليه، ونفقته ونفقتهم من تلك الجنة، فبينما هو كذلك إذ أصاب تلك الجنة إعصارٌ، وفي ذلك الإعصار نارٌ فاحترقت تلك الجنة، فلا تسأل عما لقي ذلك الذي أصابهٌ الكِبَر من الهَم والغم والحزن، فلو قُدر أن الحُزن يقتل صاحبه لقتله الحُزن، كذلك من عمل عملًا لوجه الله فإن أعماله بمنزلة البذر للزروع والثمار، ولا يزال كذلك حتى يحصل له من عمله جنة موصوفة بغاية الحسن والبهاء، وتلك المُفسدات التي تفسد الأعمال بمنزلة الإعصار الذي فيه نار، والعبد أحوجُ ما يكون لعمله إذا مات وكان بحالة لا يقدر معها على العمل، فيجدُ عمله الذي يؤمل نفعه هباءً منثورًا، ووجد الله عنده فوفاه حسابه. والله سريعُ الحساب فلو علم الإنسان وتصور هذه الحال وكان له أدنى مسكة من عقل لم يُقدم على ما فيه مضرته ونهاية حسرته ولكنْ ضعفُ الإيمان والعقل يُصيِّر صاحبه إلى هذه الحالة التي لو صدرت من مجنون لا يعقل لكان ذلك عظيمًا وخطرُه جسيمًا، فلهذا أمر – تعالى – بالتفكُر وحثَّ عليه، فقال: (كذلك يبينُ الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون). والمعنى: أيحبُ أحدُكم -أيها المنّانون المُراؤُون- أن تكون له جنة معظم شجرها مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ، وقد أصابه الكبر الذي أقعده عن الكسب وله ذرية ضعفاء لا يقدرون على العمل، وبينما هو على هذه الحالة إذا بالجنة ينزل عليها إعصار فيه نار فيحرقها ويدمرها؟.