آسيا بين التغيرات والمفاجآت
تساؤلات عديدة تفرض نفسها على وقع نتائج البطولة المثيرة
هل تتغير موازين الكرة في القارة الصفراء بعد النسخة الحالية؟
العنابي أعاد فتح الطريق.. والأردني يحاول تَكرار التجربة
متابعة – صابر الغراوي:
مُتعةُ كرة القدم في مفاجآتِها، وشعبيتُها تنبعُ من معدّلات الإثارة التي تكون حاضرةً في جميعِ المُباريات للدرجة التي تجعلُنا نقولُ: إنَّ المؤشّراتِ والمقدّماتِ قد لا تعني شيئًا في بطولاتٍ كاملةٍ أو حتّى في مباراةٍ واحدةٍ.
وخلال مُنافساتِ بطولاتِ أُمم آسيا الماضية، تعوّدنا على وجودِ بعض المفاجآتِ في عددٍ من تلك البطولات، وكلما زادَ عددُ هذه المفاجآت، ارتفعَ سقفُ الطموحاتِ، وزادت التوقعاتُ بحدوثِ انقلاباتٍ في موازينِ القوى الكُروية في القارَّة الصفراء، باعتبار أنَّ الجميعَ يبحثُ دائمًا عن التّغيير.
التّساؤُل الحائر
وما بين تلك الطّموحاتِ وتعدُّد المُفاجآت من ناحية، وبقاء الخريطة الكُروية في القارّة على حالها من ناحيةٍ أخرى، يعودُ التساؤُل الحائرُ ليفرضَ نفسَه من جديدٍ على الساحة الكُروية في أعقاب كل بطولة عالمية كُبرى.. متى يحدث هذا التحول ؟! وكيف تنتقل تلك المؤشرات إلى حقيقة فعلية على أرض الواقع؟! ونجد منتخبات أخرى تنافسُ على اللقب الكبير بخلاف المنتخبات التي نجدها دائمًا تزاحمُ على منصّات التتويج.
وفي البداية، يجبُ أن نشير بالفعل إلى أنَّ حجم المفاجآت في هذه البطولة حتى الآن بعد التطوّرات الكبيرة التي حدثت في مرحلة المجموعات، هو تغير واضح وملموس وغير مسبوق على الإطلاق، بدليل أنّنا تابعنا ما لا يقلّ عن ثماني مفاجآت حتى الآن، بعضُها يمكن أن نطلق عليه لقبَ نصف مفاجأة، في حين أنَّ البعض الآخر يستحقُّ لقب المفاجأة الكاملة في كرة القدم؛ بسبب حجم الصدمة التي تصيبُ المُتابعين سواء صدمة الفرح بالنسبة لأنصار الفائز، أو صدمة خيبة الأمل بالنسبة لأنصار المهزوم.
قطر أعادت فتحَ طريق
ولا ينسى الجميعُ ما حدث في النسخة الماضية عندما أعادت قطر فتح طريق الصراع على اللقب بين المنتخبات غير المرشحة للتتويج عندما قصّ العنابي شريط المفاجآت في البطولة، بدايةً من المراحل الإقصائية، وبقي على الطريق الصحيح حتى وصل إلى المباراة النهائية، وبعدها نجح في معانقة الكأس الغالية.
مفاجأة العنابي في نسخة الإمارات 2019 لا تقلّ بأي حال من الأحوال عن مفاجأة منتخب العراق في النسخة الآسيوية التي استضافتها بلدان: تايلاند، وماليزيا، وإندونيسيا، وفيتنام، في عام 2007 عندما خطفَ أسود الرافدين اللقب بعد النهائي التّاريخي أمام الأخضر السعودي.
الإنجاز الأردنيّ
ولعلَّ ما يقدّمه نشامى الأردن في البطولة الآسيوية حتى الآن يعيد إلى الأذهان العربية النجاحات المُتتالية للعنابي في نسخة الإمارات.
فالمنتخبُ الأردني الذي نجح قبل يومين في تحقيق هدف التأهل للدور قبل النهائي، يقدم نسخةً آسيويةً للتاريخ بدايةً من تعادله أمام كوريا الجنوبية، ومرورًا بتفوقه على متصدر المجموعة الرابعة، وهو المنتخب العراقي في دور ال16، ووصولًا إلى إنجاز تخطّي عقبة المنتخب الطاجيكي في الدور ربع النهائي، وبالتالي أصبح بين الأربعة الكبار لأوَّل مرة في تاريخه.
ورغم قوّة مثل هذه المفاجآت وعدم اقتصارها على نتيجة مباراة أو اثنتَين، إلا أنها لم تتحوّل حتى الآن إلى واقع جديد، يمكننا من خلاله الحديث عن تغير خريطة الكرة الآسيوية، بدليل أن الجميع قبل انطلاقة هذه البطولة، وضع منتخبَي اليابان، وكوريا الجنوبية على رأس المرشحين للتتويج باللقب، ومن بعدهما جاءت منتخبات أخرى، مثل: أستراليا، وإيران، ثم قطر، والسعودية.
ورغم أنَّ منتخبنا الوطني هو حامل اللقب، ورغم أن البطولة تقام على أرضه ووسط جماهيره، ورغم أنه واصل مشواره في النسخة الحالية بنجاح كبير حتى وصل إلى دور الثمانية، فإن الترشيحات لم تضعه على رأس المرشحين لحصد هذا اللقب، ولكنها وضعته في القائمة مع المُنتخبات الأخرى.
مرحلة التغيير
وإذا كان البعضُ يرى أن بطولة آسيا «قطر 2023» قدّمت مؤشرات واضحة وأدلة دامغة على أن خريطة آسيا الكُروية دخلت مرحلة التغيير الفعلي بدليل النتائج الاستثنائية والتاريخية والمفاجآت المدوية التي نتابعها، فإنَّ هذا التوجّه قد يكون سابقًا لأوانه بشكل كبير، وللتأكيد عليه نحتاج إلى عدّة نسخ متتالية يستمرّ فيها هذا التوهّج للمنتخبات غير المرشّحة لمنصات التتويج.
تقارب المُستويات أهمّ من المفاجآت
بعيدًا عن ظاهرةِ المفاجآتِ التي تزيدُ من مُتعةِ البطولة، هناك الظاهرةُ الأهمّ التي ميَّزت بطولة قطر 2023 بشكلٍ كبيرٍ عن بقية بطولات أمم آسيا التي أُقيمت قبل ذلك، وهي التي تتعلقُ بالنّدية الكبيرة بين جميع المُنتخبات المُتبارية في كافة المجموعات. هذه النديةُ لا تقتصرُ فقط على المُستويات داخل أرض الملعب ولكن تكشفها الأرقامُ التي لا تكذبُ ولا تتجمّل، وتعكس حقيقة الصراع داخل أرض الملعب. هذه الأرقام، تؤكّد لنا أنه لأول مرة في تاريخ بطولة أمم آسيا التي ينجح فيها منتخبٌ في التأهل إلى الدور نصف النهائي رغم أنه تأهل لدور ال16 كثالث مجموعته، وهو المنتخب الأردني الذي حلّ ثالثًا في المجموعة الخامسة برصيد أربع نقاط فقط.
صراع المناطق
بالإضافةِ إلى الصراعِ الخاصِّ بين جميع المُنتخبات ورغبة كلّ منتخب في حسم اللقب لصالحه، فإنَّ صراعَ المناطق أيضًا يلعبُ دورًا مهمًا في تحديد المنطقة الأقوى في القارّة، لذلك فإنَّه من الطبيعيّ أنْ تسعى اتحاداتُ غرب آسيا لفرض سيطرتها والتتويج بالعدد الأكبر من البطولات، مقابل الرغبة نفسها من منتخبات شرق آسيا.
الاستثناء لا ينفي القاعدة
بما أنَّ القاعدةَ الحياتيَّة العامة تؤكد أن لكلّ قاعدةٍ استثناءً، فمثل هذه النتائج المفاجئة لا تنفي القاعدة المثبتة تاريخيًا بل تؤكّد مجددًا أنَّ كبار كرة القدم في آسيا ما زالوا يفرضون سيطرتهم على عالم الساحرة المُستديرة في هذه القارَّة. وهناك شروطٌ يجب توفّرها أولًا قبل أن نقرّ بأن خريطة آسيا الكُروية بدأت تتغير بالفعل، وأن الكرة «المدوّرة» بدأت تدور حول نفسِها في القارّة، وتمنح كل منطقة نصيبَها من البطولات التي باتت منحصرةً بين دول معينة ومناطقَ بعينِها.
صاحب الرقْم القياسي ودّع
9 منتخباتٍ حصدت ألقابَ بطولة أمم آسيا في نسخها ال17، وهي موزعةٌ بين غرب آسيا وشرقها ووسطها، فضلًا عن الجنوب الشرقيّ. ويتصدّر المنتخب اليابانيّ الذي ودّع البطولة قائمة المنتخبات المتوَّجة باللقب بأربع بطولات، ثم السعودية، وإيران، برصيد 3 بطولات لكل منهما، ويليهما الكوري الذي حصد لقبَين في تاريخه. وحصدت الكويت، والعراق، وأستراليا، وقطر، اللقبَ مرةً واحدةً.