«ازدواجية المعايير» تضرب «الأونروا»!!
بقلم/ فيصل مكرم:
سارعت واشنطن إلى تعليق مساهمتها في تمويل وكالة الغوث الأممية الخاصة بدعم وإغاثة الشعب الفلسطيني «الأونروا» بعد تلقيها لتقارير من حكومة الحرب الإسرائيلية تتهم نحو 12 من موظفي الوكالة بالضلوع في هجوم السابع من أكتوبر الماضي «طوفان الأقصى» وبعد ساعات أعلنت أكثر من 12 دولة غربية حليفة لواشنطن وإسرائيل انضمامها لواشنطن، بتعليق دفع حصصها في تمويل «الأونروا» قبل أي تحقيق في صحة تقارير إسرائيل، وحتى قبل تشكيل لجنة تحقيق من قِبل الأمم المتحدة وكأن تقارير إسرائيل مُنزهة عن أي تحقيق وفوق كل القوانين والشبهات، ولا ترقى إليها الشكوك، وهذا هو النفاق الغربي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، كما أنه ينُم عن نوايا مبيَّتة لاسترضاء دولة الاحتلال ومساعدتها على المُضي قُدمًا في سياسة الإبادة الجماعية لسكان قطاع غزة بصورة خاصة، والتخلي عن مسؤوليتها في الالتزام بتمويل الهيئة الأممية المعنية بتقديم وسائل الإغاثة للفلسطينيين في الداخل وفي الشتات وَفقًا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 302 الصادر في نهاية عام 1949، والذي يتضمن إقامة الدولتين وحق العودة والتعويضات العادلة للمهجرين على خلفية النكبة الكبرى التي نفذتها العصابات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني ولا تزال آثارها قائمة إلى اليوم، وفي حين يتحدث الرئيس الأمريكي جو بايدن عن ضرورة إدخال المساعدات الإغاثية إلى قطاع غزة الذي تم تدميرُه بصورة شبه كاملة من قبل جيش الاحتلال -الذي يقوم منذ نحو 120يومًا بحرب إبادة بحق سكان القطاع- فإن الرئيس بايدن الذي يُنكر قيام إسرئيل بجرائم إبادة في غزة، ويؤكد على حق إسرائيل (المحتلة) في الدفاع عن نفسها كان أول من يصادق على ادعاءات إسرائيل ضد الأونروا، ويقرر تعليق دعمها للوكالة الأممية الإنسانية بناءً على تقاريرها وقبل إجراء أي تحقيق عن مدى صحتها.
يقول المسؤولون في الأونروا بأنهم سارعوا إلى فصل 12 من موظفي الوكالة الذين شملتهم الاتهامات الإسرائيلية وقبل أن تحقق في صحة تلك الاتهامات حرصًا على عدم الزج بالوكالة في دائرة الاتهامات، التي كثيرًا ما عملت إسرائيل على افتعالها لتعطيل نشاطات الوكالة الإنسانية التي تستهدف نحو 6 ملايين فلسطيني، ويضيف المسؤولون الأمميون في الوكالة بأنهم لم يُخِلَّوا بالتزامهم بموافاة السلطات الإسرائيلية بكشوفات وبيانات كل موظفيها والعاملين في مشاريعها ومؤسساتها للموافقة عليهم قبل اعتماد توظيفهم ولم يسبق أن اعترضت حكومة الاحتلال على الموظفين الذين تتهمهم بالمشاركة في هجوم السابع من أكتوبر، وكان مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون الإغاثة الإنسانية أكد في غير مناسبة بأن قطاع غزة لم يعُد صالحًا للحياة وأن سكانه يواجهون مجاعة حقيقية، وهذه التطورات الخطيرة هي التي دفعت الأمين العام إلى إطلاق تصريحات قوية تدين الحصار وسياسة التجويع واستهداف المُنشآت التابعة للأمم المتحدة في قطاع غزة من قبل الجيش الإسرائيلي.
لطالما سعت حكومات الاحتلال إلى إنهاء نشاط الأونروا الإنساني، وهاهي تتوج مساعيها بتحويل دور الوكالة الأممية من الإغاثة إلى التجويع يساعدها بعض حلفائها الغربيين دون خجل ولا اكتراث بحقوق الإنسان والقوانين الدولية والعدالة الإنسانية، التي ينادون بها على منابرهم وقوانينهم ويحاربون من ينتهكها في الوقت الذي ينتهكونها هم ويضربون بها عرض الحائط، وفي ضوء قرار واشنطن ونحو 18 دولة غربية وحليفة بتعليق دفع حصتها في تمويل وكالة الأونروا أعلنت الوكالة أنها ستكون عاجزة عن الاستمرار في تمويل مشاريعها مع نهاية الشهر الجاري.
وفي هذا السياق يرى مراقبون بأن الدول التي قررت تعليق مساهمتها في تمويل الأونروا وجدت الفرصة للتعبير عن موقفها المعارض للدعوى التي تنظر فيها محكمة العدل الدولية بارتكاب إسرائيل جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة، والتي تقدمت بها جنوب إفريقيا، وعدم رضاها عن أداء الأمين العام للأمم المتحدة وتصريحاته التي تدين الحرب في غزة، بالإضافة إلى تغطية فشل حكومة نتنياهو في تحقيق أي انتصار لحربه الانتقامية على غزة، ومنحه نصرًا عبر التفاوض، وكأن واشنطن ومن سار على نهجها في تعليق مساهماتها المالية للأونروا ترفع شعار «إسرائيل أولًا» من خلال ممارسة المزيد من الضغوط على فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة للقبول بشروط إسرائيل لإنهاء الحرب أولًا، ومن ثم القبول بخيارات إسرائيل التي تطرحُها لما بعد الحرب ومنها إدارة القطاع وإقامة منطقة عازلة والمُضي في سياسة التهجير القسري للفلسطينيين.
صحفي وكاتب يمني