في البدء كان حلمًا، تحول إلى واقع، ذات يوم كان الاجتماع في مدينة تزدهر بالثقافة والفن والفكر، والخطوات الأولى كانت مرسومة بالأمل، وكان التساؤل كيف نزرع الأمل؟ الملامح لم تكن هلامية، والخطوات الأولى مرسومة بدقة من قبل رمز ارتبَط بالثقافة في شمولية السكان، إنه رجل الدولة، ونموذج لرمز ارتبط بالفكر والإبداع والقلم، هناك كوكبة أخذت على عاتقها تنفيذ هذا المشروع، كيف تُحقق أحلام المسرحيين؟

نعم عبر خريطة الوطن العربي من الرباط إلى بيروت، دمشق، الدوحة.. وها نحن نحُط الرحالَ في بغداد، نعم بلاد الرافدين، مَن رسمَ في تاريخ الإنسانية خريطةَ الحضارة، ها نحن في بغداد الرشيد والمأمون وبيت الحكمة، وهناك عواصمُ تترقب أن تزدان مسارحها بإبداع المسرحيِّ العربيِّ، هذا الحلم الذي يحقق الوحدة في أجمل وأكمل الصور، تذوب كلُ الفوارق، وتُمحى كل النزاعات، هنا حميمية اللقاء، لا صراع في الأطروحات، ذلك أن الهدف واحد، هنا كل يقدم فكرَه ورؤيتَه ويرسم ملامح قضاياه، سواء الآنية أو المزمنة، والكل يجرب، قد يستحضر من ذاكرة سوفوكليس أو شكسبير، لا يهم، وقد يستحضر نماذجه من ذاكرة الإنسان المعاصر، نعم لأن الركن الأهم -الإنسان- ذات يوم، بزغ لأجلهم هذا الفن الخالد، وكان الإنسان هو المحور والأساس، وتنافس الجميع في طرح الإنسان، لا يختلف هنا أرستوفان عن موليير، ولا عن محمد الماغوط، أو محمود دياب، وهناك من رصد صراع الكائن الأضعف مع الذات أو السلاطين أو قويّ البنية، لرحلة عبر العصور مزجت كل الصور، ها هو شكسبير وكورنيه وراسيف وها هو إبسن وبرخت، سعدالله ونوس، عبدالعزيز السريع، عبدالرحمن المناعي، وهناك من يعقد من حروفه وكلماته لآلئ تزين جيد المسرح الإماراتي ويخلق عوالم أكبر لحكايا ذات ارتباط بنا، أنا وأنت والآخرين، إنه القامة المسرحية الخليجية -العربية- إسماعيل عبدالله.

هنا ذاكرة البوشبه، ومجاريح وصرخات النفس، وهنا، وهنا، وأخيرًا تحتضن بغداد «عاصمة النور» آخر التجليات -زغبوت- برفقة رفقاء الدرب وآخرهم والأكثر التصاقًا به، المُبدع محمد العامري، في كل موسم ينثران فوق الخشبة حكاية من فكر هذا المؤلف وتجسيد الآخر.

ها نحن في بغداد، بغداد ذاكرة الإنسان العربي، حكايات سندباد ومرجانة وعلي بابا، وحكايات الرشيد، وألحان الموصلي وإبراهيم المهدي، وها هو الجواهري يترنم «يا دجلة الخير يا أم البساتين» من هنا خرج الأنبياء، ومن هنا وضع حمورابي دستورًا، وهنا كان الحسن بن هاني، والجاحظ وجواد علي، والمتنبي، وعمر يوسف، وزهور حسين، والعشرات والأجمل تلك النغمة العراقية الشحبة «شلونك عيني.. أروح لك فدوة» إنها الحضارة وعندها علينا أن نقف!!

 

 

[email protected]