كتاب الراية

بيني وبينك …. المُقاتِلُ الأنيق

أنيقًا في كلّ شيْء، مِشيْتِه، خُطُواتِه، مِعطفِه الأسود الطّويل، حذائِه الرّياضيّ الأبيض النّاصع، وقذيفةِ الياسين الخضراء اليانعة الّتي تُرافِقه كأجملِ حبيبةٍ تُرافِقُ أوسَمَ فارس.

بلا وجه، لكنْ له كلّ الوجوه. وبلا ملامح، لكنّ ملامحه العربيّة الجهاديّة المُناضِلة لا تخفى على أحد، بهذا مضى يركضُ إلى غايته، إلى دَبّابةٍ تستطيعُ أنْ تجعل بنايةً من طابقَين تخرّ بضربةٍ واحدة، عِوَضَ أنْ تُحوّله إلى رمادٍ في لَحَظات، لكنّه لم يهتزّ، بل كان يمضي إليها كما لو كان على موعدٍ غراميٍّ معها، ومن الحُبّ ما قَتَل، وكأنّ صوتَ عبد الرّحيم محمود في أُذُنيه يهتف:

لَعَمْرُكَ إنِّي أرَى مَصْرَعِي

وَلَكِنْ أَغُذُّ إليهِ الخُطا

إذًا مَنْ هذا المُقاوِمُ الّذي يخطفُ القلوب، ويخلبُ الألباب، ويسحر العيون؟! فتظلّ تتبعُ موطِئَ أقدامه كأنّما تُريدُ أنْ تُقبّل الأرضَ بينَ قَدَميه، أو تفرشَ له الأهدابَ حريرًا حتّى لا تتجرّحا!

مَنْ هذا المُناضِلُ العنيدُ الأنيقُ النّبويُّ الطّاهرُ الغامضُ الواضحُ البادي الخَفِيّ، الّذي يقطع هذه المسافة القاتِلة بهذه الثّقة الأشدّ روعةً من أجلِ أنْ يُواجه مصيرَه بلا مسافة، وبلا أمان، وبلا ضمان، وملءُ عِطفيه نشيدُ المتنبّي:

غيرَ أنَّ الفَتَى يُلاقِي المَنَايا

كالِحاتٍ وَلا يُلاقِي الهَوانَا

مَنْ هذا المُجاهِدُ الّذي لا يُعرَف له اسم، ولا يُدرَى له وَسْم، ولا يُسمَع له صوت، ولا تُرَى منه عيونٌ؟! هذا الّذي يتحوّل في شوارع خانيونس إلى رمزٍ لشجاعةٍ مُلهِمَةٍ لأبناء هذا الجيل الّذي يبحثُ عن الرّموز، ويُفتِّشُ عن القُدوات، ويُنقِّبُ عن النّماذج العظيمة الّتي يريدُ أنْ يحتذِيَ بها؟ ليسَ (روبن هود)، لأنّه كان يسرقُ ليُطعِم الفقراء، ومقاتِلُنا يسرقون أرضَه ومع ذلك يُطعم الأرضَ دَمَه. وليس (زورو) وإنِ اشتركا في السّواد، فشخصيّة (زورو) جادتْ بها القريحةُ في الخيال. ولا (باتمان)، فهو صدى تفوّق الغرب الّذي يلبس قناع البطولة ويخفي تحته البطش والإجرام. فمن هو إذًا؟

مَنْ هذا الّذي دَوّخَنا قبل أنْ يُدوِّخَ الاحتِلال؟ مَنْ هذا الّذي يُمكن أنْ يقفَ بِقَوامه المَمشُوق، وجسده المَسبوك، ومِعطفه المَحبوك، ثُمّ بكلّ تمهُّلٍ وتؤدةٍ يُمسك بالقذيفة الّتي وقفتْ إلى جانبه أطولَ منه قبل أنْ تستلقي كأغنيةٍ على كَتِفه دون أنْ تسأله السّبب، لأنّها تعرفُ لماذا تستلقي هُناك، ويُطلِقُ قبلةً شديدةَ العنفوان، يكون من حراراتها أنْ تحرقَ الدّبَّابة الغازية بكلّ ما فيها، وينسحبَ بهدوءٍ مُماثِل ليُعاود مع حبيبته اللّقاء كرّة أخرى!

مَنْ هذا المُقاتِل الأشدّ أناقةً في تاريخِ نَضالِنا الطّويل؟! والأكثر وسامةً وسط هذا القُبح والدّمار المَهول؟ وما يَعنيني أنْ أعرفَ ما هو أو مَنْ هو، وقد أراني فِعلُه كلّ شيءٍ أريدُ أنْ أعرفَه عنه!

AymanOtoom@

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X