اقتصاديات … تكلفة القرار
اذا كانت الوكالة الأمميّة الإنسانيّة المعروفة باسم (UNRWA)، وهي وكالة الأمم المُتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين والمعنيّة بإغاثة 5 ملايين وتسعمئة ألف لاجئ فلسطيني بداخل الأرض المُحتلة وخارجها بدول الجوار، قد تمَّ وقف الدعم والتمويل عنها من قِبل 16 دولة مانحة، على رأسها شرطي العالم الولايات المُتحدة التي كانت أول من سارعت إلى قطع مُساهمتها المالية عن الوكالة، وذلك تحت مزاعم ومُبرّرات إسرائيلية مُضللة، ولا تمسّ الحقيقة بأية صلة، فقط لتبرير صدور قرارات مُغرضة لتلك الدول بوقف الدعم عنها، والمزاعم الإسرائيلية بأن عددًا من موظفي الوكالة قد اشتركوا في حرب السابع من أكتوبر مع المُقاومة الفلسطينيّة ضد إسرائيل، فقد التقى هنا الخبث اليهودي الأزلي المُتأصّل فيهم (حيث جادلوا ربهم في بقرة وكذبوا أنبياءهم وحاربوا رسلهم ونقضوا عهودهم مع المصطفى صلى الله عليه وسلم)، مع المصلحة الإمبريالية الأمريكية المُعاصرة في المِنطقة. وكانت النتيجةُ إحداث كارثة إنسانية مُروعة هزَّت ضمير العالم كله، حيث يعجز القلم عن وصفها وتحديد مآلاتها، وليس أمامنا سوى التضرّع بالدعاء للمُقاومة الفلسطينية المؤمنة الباسلة بالسؤدد والنصر المؤزر على عدوهم ومن والاه بالداخل والخارج، وذلك أضعف الإيمان. بالمُناسبة، الموقف الأمريكي الحالي يُذكِّرني بتصريحات الرؤساء المصريين – أصحاب أكبر الجيوش العربية – الرئيس الراحل محمد أنور السادات، حينما قال قبيل وبعد حرب أكتوبر 1973 المجيدة وفي أكثر من خطاب (سمعته شخصيًا مرات عديدة، حيث كنت طالب بكالوريوس بتجارة القاهرة آنذاك)، عن لعبة الصراع العربي الإسرائيلي: إن 99% من أوراق اللعبة بيد الولايات المُتحدة الأمريكية. ثم تلاه الرئيس الراحل محمد حسني مبارك قبل عزله من الحكم بيد الشعب المصري، قال صراحة بالمصري: “المتغطي بالأمريكان يبات عريان”، وقبلهم زعيم الأمة العربية في الخمسينيات والستينيات ورائد القومية العربية، والتحرر العربي من الاستعمار، وعضو حركة عدم الانحياز، الرئيس الراحل صاحب الكاريزما والمواقف الرجولية جمال عبدالناصر حين نطق بقولته الشهيرة “ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة”.
إن قرار وقف الدعم المالي عن وكالة أمميّة إنسانيّة مثل “الأونروا”، الذي ساهم ولم يزل في حدوث كوارث إنسانية في غزة وفلسطين عامة، قد اتخذ كإجراء عقابي لها نتيجة تقديمها تقارير إنسانية موضوعية تصف فيها حجم دمار غزة بشرًا وحجرًا وشجرًا وبنيةً تحتيةً، ثم على فعل لم ترتكبه وبُني على مزاعم باطلة كما أسلفنا، طالما هذا الإجراء يخدم الأجندة الأمريكية فلا حياء ولا حرج في ذلك، ولا اعتبار لأرواح الشهداء الأبرياء والجرحى والمُصابين غدرًا، بل لا اعتبار مُطلقًا للإنسانية وحقوق الإنسان التي طالما يتشدّقون بها في المُنتديات الدولية، وربما لأن جملة الضحايا من الغوييم (الأغيار) بالعبرية غير اليهود.
تُرى ماذا سيكون الحال لو قامت أمريكا بقطع جملة المُساعدات الاقتصادية التي تُقدّمها لأصدقائها من الدول النامية – كسبًا لولائهم ومواقفهم السياسيّة وفتح أسواقهم لها -، لو فكرت هذه الدول أو جاءت زرافاتٍ وَوُحْدَانًا لإحداث توازن في عَلاقاتها الدولية الراهنة والانضمام للتكتلات اللاغربية (تكتل البريكس مثلًا لا حصرًا)، هل ستكون قادرةً على تحمل تكلفة قرارها السيادي بهذا الصدد؟، في ظل التشرذم السياسي والاضطراب الاقتصادي الذي يسود دول العالم قاطبة.