كتاب الراية

همسة ود.. منطق الصيادين

ذهبَ سائحٌ إلى المكسيك، فرأى الصيادين وجودة أسماكهم فسألهم؟

كم تحتاجون من الوقت لاصطيادها ؟ فأجابه الصيادون:

«لا نحتاج وقتًا طويلًا». فسألهم: لماذا لا تصطادون أكثر؟

فقالَ الصيادون إن صيدهم يكفي حاجتهم!

فسألهم: وماذا تفعلون في بقية أوقاتكم ؟

أجابوا: ننام إلى وقت مُتأخّر..

نلعب مع أطفالنا.. ونأكل مع زوجاتنا..

وفي المساء نزور أصدقاءنا.. نلهو ونضحك ونُردّد بعض الأهازيج. قالَ السائح مُقاطعًا: لدي ماجستير في إدارة الأعمال من جامعة هارفارد وبإمكاني مُساعدتكم !. عليكم أن تبدؤوا في الصيد لفترات أطول، ثم تبيعوا السمك بعائد أكبر، وتشتروا قارب صيد.. سألوه: ثم ماذا؟. أجاب: مع القارب الكبير والنقود يُصبح لديكم أسطول سفن، وربما تفتحون مصنعًا، وتُغادرون هذه القرية وتنتقلون للعاصمة !. ومن هناك تُباشرون مشاريع عملاقة. سأل الصيادون: كم من الوقت نحتاج؟

أجاب: حوالي عشرين أو خمس وعشرين سنة.. فسألوه: وماذا بعد ذلك؟. أجاب مُبتسمًا: ثم تقومون بالمُضاربة في الأسهم وتربحون الملايين. سألوه: ثم ماذا؟

أجاب: بعد ذلك تتقاعدون وتعيشون بهدوء في قرية على الساحل وتنامون إلى وقت مُتأخر.. تلعبون مع أطفالكم..

وتأكلون مع زوجاتكم.. وتستمتعون مع الأصدقاء.. أجاب الصيادون: ولكن هذا ما نفعله الآن، إذًا ما هو المنطق الذي من أجله نضيع سنوات من عمرنا!

يستنزف الإنسان الكثير من طاقته وقواه، ويُهمل أهله وعائلته وصحته، حتى أمور آخرته التي هي حياة البقاء، ويبحث عن المظاهر التي تقتل إنسانيته، وتحدّ من حيويته، فلمَ لا يكون الإنسان بسيطًا في تفاصيلِ حياته، فحياتنا أجمل بالبساطة، وبالتركيز على الجوانب المعنوية، لأنه عندما يعيش على طريقة الفلسفة الشرقية العميقة، التي يكمن فيها سر التناغم والسعادة، يكون لحياته معنى أكبر، ولكن للأسف فإن البعض يعتقد أن السعادة تأتي باتباع سلوكٍ صارم من التعقيدات التي تُملى عليهم، ولذلك نجدهم يركضون وراء الحياة بشكل مُعقّد ويصنعون حولهم أقفاصًا تحول بينهم وبين مُجتمعهم وأسرهم وأصدقائهم، ويكون السبب في ذلك هو حُكم العادة، وقد يكون فقط لاكتساب الثناء والذكر الحميد، فتصل الحال أحيانًا بالإنسان إلى قتل أحلامه وآماله بالعادات والتقاليد المُكلفة والمُعقدة منها، التي قد تمرر وتُمارس تحت غطاء الدين والعادات والعُرف، والدين غالبًا منها براء، فتصبح الأمور لديهم مشوشة مُفتقرة للجمال والروح، وأهم أسباب ذلك التكلف وغياب البساطة، فلقد أصبح التنافس على الظهور بأحسن المظاهر شرطًا عرفيًا وحبًا لما يُطلق عليه (البرستيج والإتيكيت).

جميل أن نُوازنَ حياتنا لنستمتعَ بكل ما فيها، فلا نفتقر إلى تطبيق البساطة واليُسر في حياتنا، ألم يقل ربنا «يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ»، هذا الأمر في العبادة، فما بالك في العادة؟!

 

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X