نصف الدنيا
بقلم/ سامي كمال الدين:
لم تكن سناء البيسي تعرفني لكنها فتحت لي حدائق البهجة، مجلة نصف الدنيا، ومنحتني مساحات من صفحاتها وصلت في بعض أعدادها، نشرها لي، ملف تحقيقات صحفية في عدد واحد تجاوز 35 صفحة من صفحات المجلة، قمت به بمفردي وقام بالتقاط صوره الزميل الراحل محمد عنان.
ساندت العشرات مثلي ومنحتهم وقتها وعمرها وجهدها، وقبل ذلك أمومتها، سيدة من زمن الإبداع، لا توفيها المقالات حقها، ابنة مدرسة أخبار اليوم التي جمعها مكتب واحد مع الساخر الكبير محمد عفيفي ومع صلاح جاهين، تتلمذت على يد مصطفى وعلي أمين وصادقت محمد حسنين هيكل وأحمد رجب وعملت مع أحمد بهاء الدين..
سناء البيسي من جيل يرعى المواهب ويفتح الأبواب لها، أول جائزة من نقابة الصحفيين حصلت عليها من خلال كتاب لي صدر ملحقًا مع مجلة نصف الدنيا، على الرغم من تنقلي داخل مؤسسة الأهرام وعملي في أماكن أخرى داخل المؤسسة إلا أن الشغل مع الأستاذة سناء البيسي كان له طابعه المختلف، لقد أحدثت نقلة في عالم الصحافة عبر الأفكار الخلاقة والصحافة الطازجة و»اللايت» مع عمق المضمون فكانت نصف الدنيا في عهد سناء البيسي المجلة الأكثر قراءة في العالم العربي.
نصف الدنيا أنجبت مجموعة من أمهر الصحفيين في مصر، وحوت جزءًا كبيرًا من تاريخ مصر الحديث عبر التحقيقات السياسية والاجتماعية والصور النادرة، كانت كل أسبوع تحمل انفرادًا صحفيًا، لذا كانت تحصد المجلة كل عام العديد من جوائز الصحافة المصرية والعربية، لم يكن هناك تراتبية أو درجات في التعامل، في أغلب الصحف هناك نظام، الصحفي يتعامل مع رئيس القسم ورئيس القسم يتعامل مع مدير التحرير ومدير التحرير يتعامل مع رئيس التحرير، في مجلة نصف الدنيا كان الجميع يتعامل مع رئيسة التحرير مباشرة، بابها مفتوح طوال الوقت، وهذا لم يكن مزعجًا لمسؤولي المجلة مثل أحمد الشهاوي وعبد اللطيف نصار وحسن عبد الله وصلاح مطر وعلي السيد وغيرهم، على العكس كانوا يدفعون بالمواهب الشابة إلى الأمام مثلها، مناخ الحرية وفر للإبداع انطلاقة كبيرة وجعل المصادر ترحب بنصف الدنيا، ربما لا يوجد رمز في أي مجال من المجالات السياسية أو الإعلامية أو الفنية أو الدبلوماسية لم يتحدث إلى نصف الدنيا، استمدت المجلة مصداقيتها من سناء البيسي ومن الكتيبة العظيمة التي ارتقت بها إلى هذا المستوى من الإبداع وما زالت المجلة تتألق حتى الآن عبر تلاميذ سناء البيسي.
بفضل دعم هذه السيدة لي، أم وصديقة وأستاذة، قدمت عشرات الموضوعات الصحفية، استطعت الحصول على فرصتي في التعيين بعد عام من عملي في مؤسسة الأهرام عام 2002 والحصول على عضوية نقابة الصحفيين عام 2003 ثم حصلت على جائزة نقابة الصحفيين الأولى في العام التالي 2004، وفي هذا العام تعرفت على زوجتي التي كانت تدرس الإعلام في الجامعة وجاءت للتدريب في المجلة، شهدت سناء البيسي على قصة حبنا وعلى الكثير من الأوجاع التي تعرضنا لها بسبب المنغصات السياسية، والد زوجتي، سليمان الحكيم، كان معارضًا لنظام مبارك ويكتب في جريدة العربي ومن المؤسسين في حركة كفاية وضم ابنته معه، طلب مكتب إبراهيم نافع رئيس مجلس إدارة الأهرام عدم نشر موضوعات لها في الأهرام، قال والد زوجتي الأستاذ سليمان الحكيم ضاحكًا أنت الآن من طبقة البرجوازيين بتوع الأهرام ونحن من الشعب أولاد ال… ثم أصر على ألا تعمل ابنته في الأهرام، تحدثت مع الأستاذة سناء التي استجابت لي وقالت لمكتب إبراهيم نافع إنني خطيبها وأعمل في المجلة وأنه من العيب علينا أن تدفع البنت ثمن موقف والدها ومعارضته، وبالفعل أكملت تدريبها في المجلة وتم تعيينها فيها وحصلت على جوائز من نقابة الصحفيين عن أعمال لها من نفس المجلة.
هكذا كانت سناء البيسي تدافع عن الصحفيين وتدعمهم، وهكذا كان أغلب المسؤولين في الأهرام مثل أسامة سرايا آخر رئيس تحرير للأهرام في عهد حسني مبارك، اختلفنا معه، انتقدناه، عارضناه، لكنه كان في خلافه ابن أصول وابن مهنة يرقى عن الصغائر.
ربما تكون هذه الكلمات محاولة للتعبير عن الامتنان والشكر لسناء البيسي ولأسامة سرايا ولزملائي في مؤسسة الأهرام.
مرّ أكثر من عشر سنوات لم أرها ولم أسمع صوتها الذي كان يطبطب على قلبي ويهدئ من روعي، وأردت أن أكتب لها وهي بيننا متعها الله بالصحة والسعادة، وهذا ما فعلته مع عمنا محمود السعدني حيث صدر كتابي عنه أيام مع الولد الشقي عن دار أخبار اليوم وقرأ فيه فضله علي، هذا ما تعلمناه أن نرد الفضل لأهله.. من المنفى إلى ربوع الوطن الجميل: شكرًا سيدتنا ومعلمتنا.. سناء البيسي.
إعلامي مصري