كتاب الراية

ما بين السطور …. الطفل الثالث

لأنه كان الثالث بين إخوته، فهو يعتقد أنه يعتبر الطفل المُهمَل في عائلته، الطفل الذي حُرم من العناية والرعاية والحب والحنان، هكذا قال بعض المُربين، والمُختصين في علم النفس، وهكذا اعتقد هذا الصغير، لأنه الثالث، فهو الأقل رعايةً واهتمامًا، وهو الذي يجب عليه أن يتسوّل من أجل بناء نفسه بنفسه، خاصة أنه لا يجد الاهتمام الكافي، والرعاية التي يجب أن يستحقها أي طفل في البيت.

تُرى من أين جاء الفلاسفة هؤلاء بتلك النظرية الخاطئة، ومن ثم غرسوها في نفوس صغارنا وعقولهم..؟؟ إذا كان ذلك رأيهم في الطفل الثالث، فما الذي يقولونه في الطفل الذي يأتي بعده، وبعده والآخرين الذين يأتون في نهاية القائمة..؟؟ وهل يمكن أن يكونَ الأطفال بعد الطفل الثاني أطفالًا مُهمَلين، لا يلقون أي رعاية واهتمام من قِبل الوالدين..؟؟ ماذا سيكون موقف الأمهات اللاتي حملن في أرحامهن، وأنجبن من الصغار ما يزيد على التسعة أبناء والعشرة، وربما أكثر..؟؟ هل نقول إننا أمام مُجتمع من الصغار المملوئين بالعُقَد والكراهية والحقد لأمهاتهم وآبائهم، فقط لأنهم كانوا في نهاية القائمة، وبعد الطفل الثاني..؟؟

إذا كان هناك من هؤلاء المُختصين، وعلماء النفس، من عانى بسبب وقوعه بعد الطفل الثاني، فلا يعني ذلك أن كل الأطفال يجب أن يعيشوا نفس مأساته، ويتحملوا نفس عقده، ويُقاسوا نفس مُعاناته.

ولماذا يا تُرى، تتحمل الأم كل آلام الحمل والولادة والرضاعة والسهر والتربية لجميع الصغار، دون استثناء، ثم تلقي بهم إلى الطريق، وإلى أحضان الإهمال..؟؟ أي إنسان عاقل يا تُرى يمكنه أن يُصدِّقَ ذلك..؟؟

إنهم الصغار، يُصدّقون كل ما تسمعه آذانهم عبر محطات الإذاعة والتلفاز، من هؤلاء الذين يعتبرون أنفسهم في قمة العلم والمعرفة والذكاء.. ونحن ندفعهم للأمام، ونُقدّم لهم الميكروفونات وشاشات التلفاز، ليبثوا سمومهم في عقول هؤلاء الصغار، فكيف نختار مُحدثينا ومُختصينا لبرامج الإعلام المسموعة والمُتلفزة..؟؟ هل لمجرد عَلاقاتهم الخاصة بالمسؤولين..؟؟ أو لقلة أجورهم التي يتعاطونها نظير الظهور عبر البرامج التربوية والتعليمية..؟؟ أو نظير أبحاثهم ودراساتهم التي تُغطي كل مجالات الحياة الإنسانيّة بشكل صحيح وسليم لا غبار عليه..؟؟

الطفل الثالث، والرابع، والعاشر، كلهم يقعون في نفس المكانة ونفس المرتبة من الوالدين، لا يمكن أن يُهملَ الآباء طفلًا لأنه كان الثالث بين إخوته، وماذا لو كان ذلك الطفل هو الأكثر ذكاءً، والأكثر فطنة من الآخرين..؟؟

ولست هنا لأضرب الأمثال، ولكن تلك الأعرابية كانت حقًا تعرف كيف تُعبِّر عن حبها لأبنائها، حين سُئلت أي أولادها أحب إلى قلبها.. فهي لا تستطيع أن تقول إنها تحب الولد الأكبر.. أو البنت الثانية.. لأن الحقيقة أنهم كلهم في نفس المكانة، فقالت: «صغيرهم حتى يكبَرَ، وغائبهم حتى يعود، ومريضهم حتى يشفى.

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X