ما بين السطور.. الرياضة ونحن
للرياضةِ تاريخٌ طويلٌ مُتجذِّرٌ في الزمان والمكان منذ القدم، حيث كانت الشعوب الأولى تُدرّب الأبناء منذ الصغر على ما يُجيدونه من رياضاتٍ مُختلفةٍ.
فالرماية، كانت مُنتشرةً على نطاق واسع في الممالك القديمة، لإعداد جيوشها ومُقاتليها من أجل الحروب المُمتدة التي لا تنتهي لتوسيع ممالكهم واستعمار أكثر عدد من البشر وأراضيهم.
وحين لم تكن البنادق قد وُجِدت حينها، كانت الرماح والسهام والسيوف هي أدوات المُحاربين والشجعان في مُعظم الأمم. ولم تكن الفروسية إلا جزءًا هامًا للجيوش العظيمة ومُقاتليها، حيث تنتقي الممالك أبطال القتال والمعارك، لتُقدِّم لهم لقب الفارس، وهو لقب عظيم الشأن في تلك الأزمنة.
وقد عرف العرب القدماء تلك الأسلحة، ودربوا أبناءهم عليها منذ الصغر، كما كان التدريب على الخيل وامتهانه من أقوى تلك التدريبات.
وقد ارتبطت تلك التدريبات والرياضات بالحروب والإغارة على القبائل الأخرى وحروب الثأر التي لم تنتهِ، واستمرت أحيانًا لعقودٍ من الزمان، مثل حرب الأربعين عامًا، حرب البسوس، أو «داحس والغبراء».
ويُحدّثنا التاريخ في سير الأقدمين عن الكثير من تلك البطولات التي قادها مشاهير تلك الأمم، كعنترة العبسي، والزير سالم، وسيف بن ذي يزن، وغيرهم من أبطال السير التي رويت في المُلتقيات والمقاهي في القرون السابقة.
ولم يكن الإسلام بأقل من غيره في الاهتمام بالرياضة، ويجب ألا ننسى مقولة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «علموا أولادكم الرماية والسباحة والفروسية»، لما لهذه الرياضات من أثر بالغ في تربية الأبطال الذين قادوا الجيوش، ونشروا الإسلام في ربوع الأرض، وحكموا العالم لقرون طويلة، بالسيف والرمح والسهم، والخيول الأصيلة التي حملتهم من أرض لأخرى ومن غزوة لأخرى.
الكثير منا يعرف ذلك التاريخ، لكن ما لا نعرفه، أن الجري كان معروفًا بكثرة في الأمم القديمة، لإيصال الرسائل والأخبار من بلد لآخر، فقط على القدمين، وهو ما انتشر اليوم في العالم، وعُرف بسباقات الجري المُختلفة، والماراثون.
في يومنا هذا طغت الأجهزة الآلية والإلكترونية على أنشطة الأبناء، فكان القتال والنزال بين بعضهم بعضًا على الشاشات فقط، والسباقات المُختلِفة على تلك الأجهزة الحديثة، ولم تعد الحركة البدنية مُنتشرةً كما السابق، ولم تعد الألعاب الجماعية في (ملاعب الفرجان) أو أفنية المنازل، مُشاهدة كما السابق. حيث كانت كرة القدم من أهم تلك الألعاب، و(القلينة والناطوع) ثم (التيلة) و(الحبل للطيور) كل ذلك للبنين، بينما لعبت البنات نط الحبل لطرق كثيرة، و(القيس) والخشيشة، وكلها تعتمد على الحركة الجسدية وبذل الجهد، وللأسف فقد اختفت كل تلك الألعاب القديمة، واختفت معها الألعاب الجماعية، بكل لهوها ومرحها،
واعتدنا على الجلوس أمام التلفاز والشاشات المُختلفة، وفي المقاهي الكثيرة، وعلى مقاعد السينما، واختفت من عالمنا تلك الألعاب الجماعية، وتحريك الساقين والأبدان، والانعزال بين أربعة من الجدران بين الشاشات والألعاب التي لا تُنشِّط الدورة الدموية، ولا تُعزّز صحة القلوب والعظام وغيرها، إلا ما ندر من البشر.