تعتبر المدرسة الإسكتلندية في الفن التشكيلي البريطاني مدرسة خلّاقة ومؤثرة ومن بين رواد هذه المدرسة الفنانة الكبيرة جوان إيرديرلي، التي تتسابق المتاحف الكبيرة في العالم الآن على اقتناء أعمالها بحيث دخل متحف جوجينهايم للفن الحديث في نيويورك في مفاوضات مع عدة مصادر لاقتناء مجموعة من أعمالها، كما فعل قبلهُ متحف الفن الوطني بإسكتلندا في اقتناء أعمال كثيرة لها وهو الذي يمتلك تقريبًا 60 بالمئة من أعمالها، بل وكل المعارض الاستعادية التي تتناول أعمالها تتم عن طريقه، من هنا أعلنت أيضًا ثوسبي للفنون عن امتلاكها لبعض أعمالها، وتؤكد أن أعمال جوان إيرديرلي قد تضاعفت قيمتها منذ 2008، بعد أن بيعت لوحتها الشهيرة «شحاذون في ساحة سان مارك» التي رسمتها أثناء زيارتها لفينيسيا عام 1949 بمبلغ 180 ألف جنيه استرليني.
ولدت جوان إيرديرلي لأب إنجليزي وأم إسكتلندية في عام 1921، في ورهام سوسيكس بإنجلترا وتبدأ أول قصص الدراما في حياتها حينما كانت صغيرة لم تتعدَّ الأربع سنوات، وكان والدها مُصابا بالجنون نتيجة لتعرضة للغاز في الحرب العالمية الأولى، ولم يكن يتفاعل مع ابنتيه -جوان وأختها باتريشا- حتى أنهى حياته بيده حينما كانت جوان في سن التاسعة، فرحلت والدتها بهما إلى بلاكهيث بلندن، وتولت خالتهما الإنفاق على تعليمهما، وبعد اكتشاف موهبة جوان الفنية التحقت بكلية جولدسميث لمدة موسم واحد، ثم عادت الأم بهما إلى جلاسجو وفي عام 1940 التحقت بكلية جلاسجو للفنون ودرست على يد هيو آدم كروافورد، وتأثرت بالمدرسة الإسكتلندية، وحصلت على الدبلوما عام 1943 كما حصلت على جائزة سير جيمس جوثري، وعملت بالتدريس فترة قصيرة، ثم أكملت دراستها في هوسبيتالفيلد هاوس، ومن ثم رحلت في منحة لمدة عام لإيطاليا وفرنسا حيث عاينت على الطبيعة أعمال عظماء الرينيسانس وتأثرت كثيرًا بمزاتشيو وبيرو ديلا فرانشيسكا، وبعد أن عادت من رحلتها استاجرت استوديو صغيرًا في جلاسجو وبدأت برسم مجموعتها الشهيرة عن أطفال الشوارع والفقراء وفي بدايات 1950 دعتها إحدى صديقاتها إلى قرية كاترلين وأعجبت بها أيَّما إعجاب فكانت تقضي معظم أوقات العام بكوخ بدائي بها وتتنقل حول القرية لرسم المناظر الخارجية للوحاتها الشهيرة عن البحر في كل أحواله وفي كل الفصول.
ذاع صيت جوان إيرديرلي وأسست جماعة كاترلين أو مدرسة كاترلين، التي ضمت فنانين كبارًا مثل أجنس نيل و ليل نلسون وانتُخبت عضوًا بأكاديمية الفن الإسكتلندية بالإجماع ثم رحلت لفينيسيا في إجازة نقاهة من مرض النكاف وهناك أنجزت عملها الشهير عن شحاذي فينيسيا.
أصيبت إيرديرلي بسرطان الثدي ورفضت أن تأخذ العلاج الذي كان صعبًا في ذلك الوقت ووصل المرض للمخ وماتت عام 1963 عن عمر 42 عامًا.