في يومٍ من الأيامِ، سوف تتسلقنا الأشجار، وسوف تنبت البراعم الخضراء بين أضلعنا، وسوف يقومُ الآخرون بتعليقنا في أسقف البيوت، وفي الميادين الخارجية، لنكونَ ملاذًا آمنًا للفراشات والغرباء..

في يومٍ من الأيامِ، سوف تقلع السفينة الكبيرة، وعلى متنها المشعوذون والباحثون عن النجاة، في بحر مُتلاطم الأمواج والأضواء، ولا مجال للنجاة..

في يومٍ من الأيامِ، سوف ينهار أحد الجدران الأربعة لبيوتنا، فنبقى بلا جدار رابع، يرانا القاصي والداني، وحين ينهار الجدار الثاني، ويتبعه الثالث والرابع، فأين سنكون نحن..؟

في يومٍ من الأيامِ سوف نرتدي ملامح الجدب واليباب، وسوف نطحن الصخور لنطعم بها الجياع، وسوف نحفر القبور، لننهب منها الديدان والحشرات المنتنة..

في يومٍ من الأيامِ، لن يبقى هناك شجر ولا أخشاب، لن يبقى هناك تغريد ولا ظلال، لن تبقى هناك ثمار ولا أغصان، فكيف نبني بيوتنا، وننسج ثيابنا ؟ سنظل في العراء، دونما ثياب..

في يومٍ من الأيام، سوف نطل من نوافذنا، لنرى الليل لا يزال يُخيّم على عالمنا، رغم مرور سنواتٍ طِوالٍ على غياب آخر شمس فوقنا، فهل ستكون تلك سنوات العذاب والعقاب ؟

في يومٍ من الأيامِ، سوف تلقي النساء فلذات أكبادهن، في مواطن الجهل والدمار، بينما يرحلن هن إلى ملاجئ الغياب والنسيان..

في يومٍ من الأيامِ، سوف تُحلِّق الأقمار في سمائنا كما تُحلق الغربان، وسوف تفتح الدروب لكل المُتسوّلين والناقمين، ولصوص المصارف، وقراصنة جزر الأسرار، وقاطعي الطرق والأعناق..

في يومٍ من الأيام، أنا وأخي، وأخي وابن الجار، وابن الجار وابن الغرباء، وابن الغرباء والشيطان، في دائرة واحدة من الديون، والشجون، ومُحاربة بعضنا بعضًا، فقط من أجل أن نحيا نحن، ونحن فقط..

في يومٍ من الأيام، سوف تكون أسرارنا وخفايانا، مُعلقةً بين النجوم والبحار، بين النار، وبين الماء، فمن الذي سينتصر بينهما في النهاية..؟

في يومٍ من الأيامِ، سوف نشقُّ الخنادق بيننا وبين بيوت الجيران، ونسكب فيها بقايا الأطعمة والسوائل الخالية من كل أنواع الغذاء، وسوف نُباهي العالم أننا وحدنا فقط من يمتلك الصلاحية لمن يحيا ومن يأكل الآخرين..

في يومٍ من الأيامِ، حين تنطلق أسراب الصقور والنسور، وينطلق الجراد والبعوض، سوف تكون هناك أشجار تقذف سمومها في الآفاق، وسوف تكون هناك وُدْيان تسكنها العقارب والجرذان، وكلها في مملكة واحدة، اسمها مملكة الفناء..

في يومٍ من الأيامِ، حين نخرج من بيوتنا، سوف نحمل البوابات العتيقة معنا أينما سرنا، وسوف نُعلّق الأقفال الصدئة فوق صدورنا، ونحن نستعرض كل الأوسمة البائدة منذ عصور الأجداد، ونعلن أنفسنا سادة السلام والحب والأمان..

في يومٍ من الأيامِ حين يطحننا الضنى، وتتقاذفنا أمواج الفراق والحنين، سوف نُعلّق أسماءنا فوق كل نسمة هواء تعبر من حولنا، وسوف نتبادل نحن وهي مهمة رعاية المُقيمين في ديار السنين والألم..

سوف تعصرنا طواحين الساعة، لتخرج منا عصارة الذل والانهيار، والاستسلام، بعد أن تعلق جلودنا الباهتة لتكتب فوقها سير الأعاصير، والزلازل، والكوارث التي ستتتابع واحدة تلو الأخرى، وهي تحوّل الزهور إلى جمر، والمساكن الآمنة إلى قبور، والعصافير المُغرّدة إلى نسور ترفع رايات الحرب، وتقذف بطشها وأنانيتها بين أضلعنا وشراييننا..

في يومٍ من الأيامِ، لن نكون هنا، لصدّ كل تلك الآفات، والبحث عن ملاجئ للصغار، ومُتابعة الصور والمشاهد المعروضة على الشاشات، في الطرق، وفوق الأسوار، والتي كانت تُمثلنا في يوم من الأيام، والتي تقرر كمنهج في المدارس، ليمَلَّنا الصغار، ويسكبوا فوق نعوشنا كل ألفاظ اللعن والشتم.. ولا مجال للرجوع..

 

[email protected]