التهديدات الإسرائيلية باجتياح رفح.. قلق دولي وتحذيرات من كارثة إنسانية
الدوحة – قنا:
رغم تصاعد الانتقادات والتحذيرات من تداعيات وتبعات التهديدات الإسرائيلية باجتياح /رفح/ جنوبي غزة، وما يعنيه ذلك من عبء إضافي ومعاناة للفلسطينيين حيث يتكدس 1.4 مليون شخص معظمهم نازحون على الحدود مع مصر في ظروف قاسية جدا، ووسط شح في مياه الشرب والأغذية، يصر الاحتلال على مواصلة تهديده وهجومه على /رفح/ جنوبي القطاع في شهر رمضان المبارك إذا لم تطلق المقاومة سراح الرهائن.
ومع تلاشي الأمل بالتوصل إلى هدنة، يشعر المجتمع الدولي بقلق إزاء تداعيات أي هجوم بري على /رفح/، بل يجمع الساسة على وصفه بجريمة حرب جديدة مكتملة الأركان.
ويهدد الكيان الإسرائيلي باجتياح رفح منذ أسابيع بعد دخول جنوده إلى مناطق واسعة من قطاع غزة، من بينها /خان يونس/ على بعد بضع كيلومترات من /رفح/، ويقول إن /رفح/ هي المعقل الأخير للمقاومة، وسط ترويجه لخطط إجلاء آمن للمدنيين قبل العملية البرية.
واستطلعت وكالة الأنباء القطرية /قنا/ آراء عدد من المحللين السياسيين حول الوضع الإنساني الحالي في قطاع غزة خاصة في /رفح/، وإمكانية تنفيذ الكيان الإسرائيلي تهديداته باجتياح بري للمدينة المكتظة بما يقرب من 1.4 مليون نازح، بما ينذر بما لا يدع مجالا للشك بكارثة إنسانية ومجازر لم يشهدها العالم سابقا.
وعن ذلك، يؤكد المحلل السياسي الفلسطيني أبو محمد إسماعيل أن تلويح جيش الاحتلال الإسرائيلي بشن عملية عسكرية برية في منطقة /رفح/ ما هي إلا محاولة لتحقيق انتصار مفقود أو إنجاز صورة نصر تعزز موقف الكيان في مفاوضات الأسرى، في مسعى لاستغلال المساحة الزمنية التي تضيق أمامه لتحقيق الأهداف التي أعلنها لحربه على غزة.
واعتبر أن الاجتياح العسكري الشامل لـ/رفح/، التي يتخذ منها 1.4 مليون نازح فلسطيني ملاذا أخيرا لهم، أمر مرعب حقا نظرا لإمكانية تعرض عدد كبير من المدنيين، أغلبهم من النساء والأطفال للقتل المتعمد، وسيشكل جريمة حرب جديدة سيحاسب عليها الكيان الإسرائيلي عاجلا أم آجلا.
وأضاف إسماعيل أنه “بعد مرور قرابة الخمسة أشهر على العدوان، فإن الاحتلال لم ينجز مهمته في الشمال، حيث لا تزال المقاومة فيها فاعلة بل استعادت وجودها المدني وواصلت تكبيد خسائر فادحة بالاحتلال الذي يعترف بأنه لم ينجز مهمته فيها بعد”، مشيرا إلى أن توسيع العدوان ليشمل /رفح/ سيرهق جيش الاحتلال الذي اضطر لسحب بعض ألويته من غزة بسبب مواجهته استنزافا على طول الجبهة الشمالية المتاخمة للجنوب اللبناني، كما أن فسحة الوقت أمامه تضيق بينما تستمر مجازره في إثارة الرأي العام العالمي وتزيد من حرج داعميه وتهدد باتساع رقعة الحرب إقليميا، وهو ما تسعى إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى تفاديه.
وقال المحلل السياسي لـ/قنا/ “تتصاعد في هذا السياق الانتقادات والتحذيرات من الخطوة الإسرائيلية الجديدة باجتياح /رفح/، وتزداد الضغوط على الاحتلال لتضعه في موقف حرج للمرة الثانية أمام محكمة العدل الدولية التي تنتظر التقارير عن تعامله مع جرائم الإبادة التي تعاملت معها وأثبتتها عليه”، مشددا على فشل جيش الاحتلال في عملياته بشمال غزة في ظل صمود المقاومة واستمرارها في إيقاع الخسائر بصفوفه، وسط تأكيدات بأنها لم تخسر كثيرا من قواتها أو عتادها، كما أن الحرب الضروس التي تطال جميع المناطق بلا استثناء لم تنل من معنويات المقاومين الذي يصرون على النصر وصد العدوان غير المسبوق”.
وعن رأيه بخصوص مدى نجاح ورقة الضغط الإسرائيلي باجتياح بري لـ/رفح/ في الإفراج عن الأسرى، قال أبو محمد “نتنياهو أراد أن يلعب آخر أوراقه في العدوان على غزة قبل أن يقرر التعامل الجدي مع مساعي وقف إطلاق النار، فهو يريد الذهاب للمفاوضات بعد نجاحه في تحقيق إنجاز ملموس على الأرض، وهذا ما دفعه لتكبير حجم إنجازه بتحرير رهينتين في /رفح/، لكنه في النهاية سيواجه مقاومة شرسة في تلك المنطقة حيث لا تزال المقاومة تملك فيها أربع كتائب لم تدخل الحرب بعد”.
وأبرز أنه لا يمكن الاستهانة باستمرار الضغوط الدولية على الكيان الإسرائيلي لوقف الحرب في قطاع غزة على الرغم من سلبيتها إلى الآن، فعلى سبيل المثال اصطدم الإصرار الإسرائيلي بمهاجمة /رفح/ بالموقف الأمريكي الذي يسعى لتقليص رقعة الصراع ووقف استهداف المدنيين، وهو معطى لا يمكن لحكومة نتنياهو تجاهله شريطة ألا يؤدي ذلك لوقف إطلاق نار شامل تكون نتيجته اقتياد نتنياهو نحو المحكمة بتهم الفساد والفشل في توقع هجوم السابع من أكتوبر الماضي، منوها إلى أن تصريحات نتنياهو بأن الكيان الإسرائيلي في طريقه نحو النصر الكامل وتحقيق جميع الأهداف المحددة وهزيمة المقاومة وإطلاق سراح جميع المختطفين وإزالة التهديد الأمني من غزة، هو أمر تفنده الوقائع على أرض المعركة، خاصة أنه هو الطرف الخاسر إلى حد الآن بعرف تحليل نتائج الحروب.
من جانبه، يرى راكان السعايدة نقيب الصحفيين الأردنيين، في تصريح مماثل لـ/قنا/، أن الكيان الإسرائيلي يتحرك منذ بداية العدوان على غزة من خلال محددين رئيسيين، الأول هو أن الحكومة الإسرائيلية حكومة متطرفة تحمل مشروع إسرائيل الكبرى وتصفية القضية الفلسطينية، وتسعى إليه بكل ما أوتيت من قوة حيث جاءت هذه الحرب بفرصة لتنفيذ ما تخطط له منذ عقود، أما الأمر الثاني فهي أسباب شخصية تعود لبنيامين نتنياهو المتيقن بأن تخليه عن اليمين المتطرف سيشكل نهايته السياسية، كما أن فشله في الحرب سيجعله رهينا لليمين المتطرف.
كما لفت إلى ضرورة الانتباه للدور الأمريكي في كل ما يجري بحق غزة وأهلها، حيث لن تتخلى واشنطن عن الكيان الإسرائيلي ومصالحه الإقليمية والاستراتيجية، زيادة على تفرقتها بين مصالح الاحتلال وسياسة نتنياهو التي تجد انتقادا كبيرا، وهي جميعها معطيات لا تحجب وجهة نظر الإدارة الأمريكية الحالية المساندة لإنتصار إسرائيلي في الحرب، وقضاء على فصائل المقاومة الفلسطينية في الأراضي المحتلة، وفي قطاع غزة خاصة.
وأوضح السعايدة أنه، وفقا لما سبق، نجد أن الاجتياح البري لـ/رفح/ مسألة محسومة، حيث سيقدم الجيش الاسرائيلي على هذه الخطوة عاجلا أم آجلا، وهي مسألة وقت فقط، مبينا أن موضوع /رفح/ بالنسبة لسلطة الكيان الإسرائيلي أمر استراتيجي، وستذهب إلى هناك تحت شعار النصر المطلق و تصفية المقاومة والقضاء على قادة المقاومة، خاصة أن نتنياهو جعل من تلك المنطقة الآن الشاهد الأكبر على تحقيق النصر، وبالتالي لا يمكن للإسرائيليين أن يتراجعوا عن الاجتياح الذي لا ينتظر سوى الإعلان عن مخططاته وكيفية تنفيذه.
وقدر التلويح الإسرائيلي باقتحام /رفح/ بأنه عملية تهويش وضغط إعلامي مستمر ضمن مخطط الضغط على المقاومة للتنازل عن مطالبها في مفاوضات الهدنة وصفقة تبادل الأسرى، متوقعا أنه في حالة إتمام الصفقة قبل رمضان، سيكون هناك بكل تأكيد تهدئة للحرب قد تمهد لمفاوضات بخصوص تأجيل عملية الاجتياح البري إلى ما بعد الشهر الفضيل، وهو أمر لا مفر منه ومحسوم حتى بعد إعلان الهدنة أو التهدئة.
كما دعا إلى التعجيل بوقف الحرب في غزة بدون شروط مسبقة، مشددا على أن الوقت ليس في صالح المدنيين، لاسيما أن الوضع الإنساني في غزة صعب للغاية، خاصة عند الحديث عن وجود تهديد لمدينة /رفح/.
وقال السعايدة، في السياق ذاته، “ندرك حاليا مدى أهمية وقف الحرب اليوم ومن دون شروط مسبقة، ونؤمن بأن وقفها سيؤدي إلى عودة الأسرى إلى منازلهم، وبالتالي إنهاء الحرب، وفي الأساس وبعد مرور قرابة الخمسة أشهر لم تعد هناك أسباب لاستمرار العدوان.. هذا السؤال أوجهه للكيان الإسرائيلي؟”، مؤكدا الدرجة بالغة الخطورة التي وصلت إليها الأوضاع في غزة، خصوصا مع وجود نحو 1.4 مليون شخص بلا مقومات للحياة، ما يستدعي التحرك الدولي السريع والفاعل لمنع أي عملية اجتياح عسكري على /رفح/ كونه سيفاقم الأزمة الإنسانية، خاصة في ظل عدم وجود مكان آمن بالقطاع.
وحذر نقيب الصحفيين الأردنيين من التبعات المدمرة لأي تحرك إسرائيلي من هذا القبيل على الأمن الإقليمي، قائلا في هذا الصدد “/رفح/ صارت الملجأ الأخير لأكثر من 1.4 مليون فلسطيني الذين فروا من جحيم العدوان والتدمير في باقي مدن القطاع.. وكما نرى ونسمع..الظروف تبعث على الحزن الشديد والغضب جراء ما يتعرض له الفلسطينيون على يد محتل يسعى بكل ما أوتي من قوة لتصفية قضيتهم.. وستظل آثار الخراب المتعمد الذي ألحقه الاحتلال بقطاع غزة قائمة ربما لعقود قادمة، وشاهدة على بشاعة الجرائم المرتكبة وعجز العالم عن وقف العدوان”.
وأكد أن القضية الفلسطينية تظل النزاع الأطول والأكثر تأثيرا في الحالة الأمنية للمنطقة، كما يظل حل الدولتين الصيغة الوحيدة التي اعترف بها العالم أجمع باستثناء قوة الاحتلال كسبيل لتسوية هذا الصراع، وإنهاء آخر احتلال استعماري في الزمن المعاصر، مضيفا أن أي عملية عسكرية للاحتلال الإسرائيلي واسعة النطاق في /رفح/ قد تؤدي إلى وضع أكثر خطورة، الأمر الذي يحتم التوصل لهدنة إنسانية فورية تؤدي إلى وقف مستدام لإطلاق النار وتقديم المساعدة الإنسانية للسكان.
وفي ذات السياق، نوه الدكتور عصام عبدالشافي أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، رئيس أكاديمية العلاقات الدولية في تركيا، في تصريح لوكالة الأنباء القطرية /قنا/، أن /رفح/، ذات المساحة الجغرافية المحدودة، تعد حاليا أحد أكثر الأماكن اكتظاظا بالسكان في العالم حيث تأوي نصف سكان غزة، ما يتطلب جهدا دوليا لحماية السكان والنازحين الفارين إليها من هول العدوان الإسرائيلي بعد أن تعذر عليهم اللجوء إلى أي مكان آمن في قطاع غزة، قائلا “إن الوضع في قطاع غزة كارثي، ويمكن بسهولة أن نلمس اليأس والخوف الذي يواجهه الناس.. وهناك ما يقرب من 1.4 مليون يعيشون في ظروف صعبة للغاية في /رفح/ بلا أي موارد أو رعاية طبية أو مساعدات إنسانية على الرغم من وصولها إلى الجانب الآخر من المعبر”.
وأشار إلى أن شن هجوم على /رفح/ سيمثل كارثة إنسانية بكل المقاييس، رغم تأكيده على أن كافة السيناريوهات عن الاجتياح البري تبقى مفتوحة، لاسيما في ظل استخدام الاحتلال الإسرائيلي، في جميع مراحل عدوانه ومفاوضاته مع الفصائل الفلسطينية، لغة التهديد والوعيد والتنكيل ورفض الركون للهدن الإنسانية الحقيقية.
وتوقف رئيس أكاديمية العلاقات الدولية في تركيا عند الزيارات الخمس الماضية لأنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي للمنطقة، منذ بدء العدوان الإسرائيلي على القطاع في السابع من أكتوبر الماضي، دون أن تنجح في زحزحة الكيان الإسرائيلي عن مخططاته لإبادة الفلسطينيين، فحكومة اليمين المتطرف بزعامة بنيامين نتنياهو ترى أنها أمام فرصة كبيرة للتخلص من المقاومة الفلسطينية، بل وصل بها الأمر للحديث عن إلغاء حل الدولتين.
وبخصوص ما يدعيه الكيان الإسرائيلي أن اجتياح /رفح/ سيسهل مهمته في التفاوض بخصوص الأسرى، اعتبر الدكتور عصام عبدالشافي الأمر “محض هراء، وتعبيرا غير دقيق بالمرة”، مشددا على أن المقاومة الفلسطينية لن تتخلى عن ورقة الأسرى بسهولة، بل ستسعى لضمانات قوية اعتمادا على ورقة ضغطها الرابحة منذ بدء العدوان، حتى لو تم اجتياح /رفح/.
واستبعد أيضا عبدالشافي توجه الكيان الإسرائيلي نحو التهدئة خلال شهر رمضان المبارك، قائلا بخصوص هذا الرأي “سيواصل الاحتلال بكل تأكيد في تصعيد عملياته العسكرية في غزة بصفة عامة، وقد يجتاح /رفح/ خلال شهر رمضان دون وضع حسبان للمجتمع الدولي وللمنظمات الدولية الواقعة تحت رعاية وحماية الولايات المتحدة.. لذا لن تكون هناك تهدئة خلال رمضان، وسيستمر العدوان بحق الفلسطينيين وأراضيهم، وبحق اللاجئين وأهالي القطاع عامة طالما بقي نتنياهو في رئاسة سلطة الاحتلال”.