باريس – (أ ف ب):
نالَ أوَّل علاج باستخدام مقص «كريسبر» الجزيئي لمداواة أمراض الدم، أخيرًا الضوءَ الأخضر لاعتماده في بلدان عدة، في تقدم «يفتح الباب» أمام علاجات أخرى تستند إلى الجين الذي يحوي مجمل الجينات لمكافحة أمراض معقدة. وتقول شركة «كلاريفايت» المتخصصة في البيانات العلمية: إنَّ «الجميع مهتم بكيفية استخدام شركات الأدوية» للمقص الجزيئي وسائر العمليات لتعديل الخلايا وراثيًا. ويحمل العلاج الذي وافقت عليه المفوضية الأوروبية في بداية فبراير، بعد ترخيصه سابقًا في بلدان أخرى، اسم «كاسجيفي» Casgevy. ويعتمد هذا العلاج على تقنية «كريسبر»، وهي أداة ثورية اختُرعت في عام 2012، تعمل على تعديل الجين المعيب للمريض. وفازت عن هذه التقنية، الفرنسية إيمانويل شاربنتييه والأمريكية جنيفر دودنا، بجائزة نوبل في الكيمياء لعام 2020. وطُوّر علاج «كاسجيفي» من مختبرات «فيرتكس فارماسوتيكلز» Vertex Pharmaceuticals الأمريكية وشركة «كريسبر ثيربابوتيكس» Crispr Therapeutics السويسرية الأمريكية لعلاج المرضى الذين يعانون اثنين من أمراض الدم الوراثيّة النادرة: فقر الدم المنجلي والثلاسيميا بيتا. وكانت السلطاتُ الصحيّةُ البريطانيةُ أول من وافق على استخدامه لهذين المَرَضَين في نوفمبر 2023. وحذت نظيراتها الأمريكية والأوروبية والسعودية حذوها هذا الشتاء. كما نشرت المفوضية الأوروبية قرارها بشأن ترخيص طرح هذا العلاج في الأسواق في 12 فبراير. وترى عالمةُ الوراثة البريطانية كاي ديفيز من جامعة أكسفورد أن هذه التراخيص «تفتح الباب أمام تطبيقات أخرى لعلاجات كريسبر في المستقبل لمداواة الكثير من الأمراض الوراثية». ولكن بالنظر إلى تكلفة هذه العلاجات – 2,2 مليون دولار لكل مريض بجرعة واحدة من «كاسجيفي» – فإنَّ التحدي يكمن في جعلها في مُتناول الجميع على نطاق عالميّ، على ما توضح ديفيز، في رأي يشاطره معها علماء آخرون كثرٌ. ويقول البروفيسور سيمون وادينغتون، المتخصص في العلاج الجيني في جامعة «يونيفرسيتي كولدج لندن» (UCL): «لن يكون ممكنًا توفيرُ هذا العلاج في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل»، مضيفًا: إنّه «ليس دواء يمكن حقنه بسهولة أو تناوله في شكل حبوب». ويقوم العلاج على تعديل خلايا المريض باستخدام تقنية «كريسبر» ومن ثم زرعها لديه.
وتقول مارينا كافازانا، الطبيبة في مستشفى نيكر في باريس والباحثة المعروفة في مجال العلاج الجيني، لوكالة فرانس برس: «ما زلنا حذرين بشأن الآثار الطويلة الأمد لهذه التكنولوجيا التي لا تزال في مراحلها الأولى». وتضيف: إنه في هذه «الثورة للأدوات الجينية المتاحة لعلاج المرضى، تظهر تقنيات أخرى تستخدم كريسبر بنسخة محسنة» لتصحيح الأمراض الوراثية أو المكتسبة، بما في ذلك السرطان. كريسبر ليست مجرد وسيلة لتعديل الحَمض النووي (الذي يحوي مجموع الخصائص الوراثية للخلية) لدى المرضى: بل يمكن استخدامها لجميع الكائنات الحية: البكتيريا والنباتات والحيوانات، بما يساعد في تشخيص الأمراض، على ما يقول لوكالة فرانس برس ماريو أمندولا، المكلف بالبحوث في مختبرات «جينيتون».
ويضيف: إنَّ هناك تطبيقات أخرى لا تزال في مرحلة البحث، مثل إمكانية «تعديل الحمض النووي للحيوانات لجعل الأعضاء متوافقة» مع الإنسان، أو «تعديل الحمض النووي للبعوض للقضاء على الملاريا». وفي عام 2019، كانت ثمانية علاجات جينية متاحة في جميع أنحاء العالم لعلاج المرضى. وفي عام 2023، تمت الموافقة على 27 علاجًا جينيًا (بما في ذلك علاجات الخلايا المعدلة وراثيًا)، وثمّة ما يقرب من ألفي علاج قيد التطوير، بحسب أرقام نشرتها شركة «سايتلاين» Citeline، للخدمات الصيدلانية والاستشارات، في أكتوبر 2023.