الأقصى الغائب
بقلم/ ماهر أبو طير:
ليعذرنا كثيرون عن تسمية هذا المقال بـ «الأقصى الغائب»، إذ إن تركيز المُتابعة على مذابح غزة، جعل بعضنا يتناسى المسجد الأقصى والأخطار المُقبلة بعد أسابيع.
بعد أسابيع قليلة يبدأ شهر رمضان، بكل ما فيه هذا العام من أحزان بعد المذابح التي تعرّض لها الفلسطينيون في غزة، حيث تجاوز عدد الشهداء 35 ألفًا، إذا حسبنا المفقودين ومن هم تحت الأنقاض في عداد المؤكدة شهادتهم، وإذا وقفنا عند عدد الجرحى الذي بدأ يتجاوز السبعين ألف جريح، فوق تدمير قطاع غزة على صعيد المساكن والمرافق وكل ما له علاقة بشؤون الحياة بشكل واضح جدًا.
تسليح المُستوطنين في القدس والضفة الغربية، سيؤدّي إلى نتائج خطيرة خلال شهر رمضان المُقبل، لأن استفراد إسرائيل بالأقصى خلال الأشهر الأربعة الماضية كان واضحًا، ونحن لا نتحدث فقط عن أعداد المُصلين، التي انخفضت من ربع مليون في أيام الجمع الكبيرة، إلى خمسة آلاف مُصلٍّ فقط، بل نتحدث عن السيطرة شبه الكاملة على الحرم القدسي ومواصلة الاقتحامات واعتداءات المُستوطنين والجيش الإسرائيلي عند الحواجز ومداخل القدس ومداخل البلدة القديمة، وحالة التدمير الاقتصادي التي يتعرّض لها أهل القدس هذه الأيام بسبب عدم عملهم، واضطرار الكثير منهم لبيع مُمتلكاته الشخصية للإنفاق على عائلته، أو سداد التزاماته المنزلية والشهرية، أو أقساط سيارته أو قرضه وغير ذلك.
هذا يعني أن وضع البنية الاجتماعيّة في مدينة القدس سيئ جدًا، وهو يتشابه ضمنيًا مع الوضع داخل الضفة الغربية، لكن شهر رمضان خاصة سيكون مُختلفًا، وسيؤدّي إلى نتائج غير مُتوقعة على مُستويات مُتعددة، قد تؤدّي إلى امتداد الوضع القائم إلى ذات المدينة رغم مُحاولات إسرائيل فصلها عن المواجهات الأمنيّة، وتركيز هذه المواجهات فقط في قطاع غزة، والضفة الغربية، في مُحاولة لتقسيم الفلسطينيين إلى مجموعات تحت وطأة التهديد بإجراءات مُختلفة من الاعتقال إلى القتل وربما إلغاء الإقامات داخل مدينة القدس، أو حتى الترحيل نحو الضفة الغربيّة.
من المؤكد هنا أن المُراهنة على تدخل أمريكي لوقف التصرّفات الإسرائيلية في مدينة القدس، أو لردع إسرائيل عن إهانة المقدسيين والعبث بالحرم القدسي لن تؤدّي إلى أي نتيجة، وقد شهدنا مرارًا خلال السنوات القليلة اقتحام الجنود الإسرائيليين المسجدَ الأقصى بلباسهم العسكري وأحذيتهم وإطلاق الرصاص داخله، والتسبب بخراب فيه، فما بالنا اليوم بهذه الظروف التي تمر بها كل فلسطين التاريخية، والتي ستؤدّي إلى نتائج مُختلفة هذه المرة رغم كل التقييدات الإسرائيلية؟.
المسجد الأقصى على أعتاب وضع مُختلِف قُبيل رمضان، وخلال شهر رمضان، ولن يكونَ غريبًا تعرّض المسجد ذاته إلى مُحاولات تدمير كلي أو جزئي، هدم أو حرق، أو حتى وضع اليد على المساحات الفارغة داخل الحرم القدسي، أو تطبيق التقاسم الجغرافي، وفي ظل التغييب القسري لسوار الحماية الشعبية المُتمثل بالمقدسيين المُغلقة في وجههم الطرقات والحواجز، بوجود الجيش الإسرائيلي فإن احتمال وقوع حوادث مُروعة داخل الحرم القدسي، يبقى أمرًا واردًا، دون أن ننسى هنا أن مُراهنات إسرائيل على قمع سوار الحماية الشعبي داخل مدينة القدس مُراهنة قد تنهار كليًا بما قد يؤدّي إلى ظروف اجتماعية وعسكرية وأمنية غير مُتوقعة ونعيشها لأول مرة، بعد كل هذه العقود من الاحتلال البشع لفلسطين التاريخية.
تغييبُ المسجد الأقصى عن المُعالجات السياسيّة والإعلاميّة، وما يرتبط بالوعي العام، وما هو مُقبل من استحقاقات له نتائج كارثية.
نقلًا عن موقع «عربي 21»