من عامٍ إلى عامٍ تطلُّ هذه الليلة، التي تقول لنا انتبهوا..

رمضان يطل في الأفق..

من عام إلى عام، كان هناك احتفال، ومراسم تُقام، في كل بيت، في كل حي..

تتزاحم أطباق الزلابية، وتتناقل بين الأيادي، من بيت لآخر، ومن شارع لآخر..

يتزاحم الصغار، بنين وبنات، مُتشحين بالفرح والمرح والسعادة، يحملون براءتهم بين أيديهم، وطفولتهم تُسابقهم نحو أبواب الفريج، وأصواتهم تطرق الأبواب بأجمل الأنغام والترانيم..

يا النافلة، يم الشحم واللحم..

نافلة تدور، والأيادي تمتد بالعطاء، مُستبشرة بقدوم الشهر الكريم، تُنفق مما أعطاها المولى الكريم، صدقة وتزكية للنفوس الظامئة لمقدم ضيف العام المُبارك..

يا النافلة يم الشحم واللحم..

لم يكن عيدًا كالأعياد الموسمية، لم يكن واجبًا من الواجبات المفروضة على بني البشر، كان تقليدًا قديمًا، هو تراث انتقل من جيل لآخر، بضع ذكريات من روائح الأجداد والجَدات، عبق من الماضي الجميل..

هل حقًا كان ذلك الماضي جميلًا كما يذكر الآخرون..؟؟

لكل زمان ميزاته وحسناته، ومساوئه أيضًا..

لكل زمان رجاله وأبناؤه وسلطته وقوانينه..

تتغيّر الوجوه والأسماء، وتتجدّد البيوت والقصور، وترصف الشوارع والطرق الجديدة..

إلا أن القديم يظل قديمًا، محفورًا في الأذهان وفي القلوب وفي العيون..

يظل الخير الذي شاع وانتشر بين الناس قديمًا، يتفرع في الأجساد النامية، والقلوب الجديدة، مُتطبعًا بجينات الأجداد، حاملًا لواء الطيبة والحب والأخوة..

حقًا، البيوت مُغلقة، الشوارع مُزدحمة، الجيران ما عادوا جيرانًا، الأحياء ما عادت كالأحياء، القلوب ما عادت هي القلوب..

لكن هذه سُنة الحياة، التغيير، ولولاه لما تعلم البشر، لولاه لما كانت هناك أفكار جديدة، ومُبتكرات، ومُخترعات وتكنولوجيا، ولما كان هناك مخيلات تُبدع وتُخطط، وأحلام تبني وترتقي..

في كل عام، في ليلة النصف من شعبان، ننتظر رنين جرس الباب، ننتظر قدوم الصغار بملابسهم الزاهية، وقلوبهم المُفعمة بالأمل، وأكياسهم المُلوّنة..

لكن، جرس الباب لا يرن، أطباق الزلابية لا تصل لبيوتنا، غناء الصغار وضحكاتهم، ما عادت ترن خلف الأسوار..

حقًا ضاعت ليلة النافلة..

كانت تلك الليلة مصبوغةً بالأطباق الحلوة، وإن لم يكن هناك مجال لتلك الأطباق، فالسكر بديل جيد، ليوزّع على بيوت الجيران.

ليلة دبقة من الزلابية والسكر، وحلويات الصغار، وابتسامات أحلى من ذلك السكر وأطباق الزلابية والخنفروش أيضًا.. وخطوات تصل إلى القلوب والأفئدة قبل أن تصلَ إلى الأبواب..

مرة كل عام، ولا نعلم هل سنكون أحياء حتى المرة القادمة وحتى العام القادم..؟؟ وهل أعددنا أنفسنا لليالي رمضان المُبارك وصيامه وقيامه وطاعاته..؟؟

إنها دعوة من هذه الليلة، لنبدأ في استقبال شعائر الصيام، ولنبدأ في البذل والمعروف والصدقات..

وكل رمضان، وأنتم….. بألف عافية…..

 

[email protected]